تصاعدت الأصوات اليمنية الساخطة جراء فساد الميليشيات الحوثية في الآونة الأخيرة على نحو غير مسبوق، وصولاً إلى العناصر الموالين للجماعة والمؤثرين المساندين لها، الأمر الذي دفع الميليشيات إلى شن حملات اعتقال والتهديد بسجن كل من ينتقدون سلوكها الانقلابي.
يأتي ذلك بالتزامن مع اتساع رقعة الفقر واستمرار الميليشيات في قَصْر الثروة والموارد على أتباعها وكبار قادتها وحرمان الملايين من اليمنيين من أبسط حقوقهم وفي مقدمتها الرواتب والخدمات والتعليم والصحة، وصولاً إلى إثقال كاهلهم بالأزمات.
ولا يستبعد مراقبون أن يقود فساد الجماعة الحوثية الذي يواكبه سلوكها العنصري والطائفي إلى انفجار انتفاضة شعبية في وجه الميليشيات، ويؤكدون أن الشارع اليمني في مناطق سيطرة الانقلاب بات مهيّأً لمثل هذه الانتفاضة، رغم اعتماد الميليشيات على أساليب البطش المتنوعة لإسكات المناهضين.
وفي هذا السياق قال معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية: «إن تنامي حالة الغضب الشعبي في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، وموجة الانتقادات التي اجتاحت مواقع التواصل لنشطاء ومشاهير كان بعضهم من أنصارها، نتيجة طبيعية لممارسات الميليشيا وفساد قياداتها، واستمرارها في العبث بقوت الناس والمتاجرة بمعاناتهم وآلامهم».
ووصف الإرياني في تصريحات رسمية ما يحدث بأنه «يشكل ملامح انتفاضة شعبية قادمة، بعد أن بات السواد الأعظم من المواطنين في مناطق سيطرة الميليشيا، بمن فيهم من انخدعوا بشعاراتها، على قناعة تامة بفشلها وفسادها، ومسؤوليتها عن الأوضاع التي آلت إليها البلاد، وافتقادها لأي مشروع وطني، وأنها مجرد أداة لتنفيذ الأجندة التوسعية الإيرانية».
وأثنى الإرياني على الانتفاضة المستمرة في إيران لليوم المائة، وقال: «هذه الثورة المتصاعدة جديرة بدفع اليمنيين للانتفاضة على خُدام ملالي طهران، انتصاراً لهويتهم وعزتهم وكرامتهم في وجه ميليشيا إرهابية أهلكت الحرث والنسل، وجلبت الفقر والجوع والمرض، ودمرت كل شيء جميل في البلد»، بحسب تعبيره.
وانتقد وزير الإعلام اليمني المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوث الأممي ومنظمات حقوق الإنسان الذين قال إنهم «يصمون آذانهم عن جرائم وانتهاكات ميليشيا الحوثي اليومية بحق المواطنين، وعن سياسات الإفقار والتجويع»، ودعاهم إلى «الاستماع لأصوات الناس، والانحياز لمطالبهم العادلة في الخلاص من الميليشيا، وحقهم الطبيعي في العيش بحرية وعزة وكرامة».
الغضب المتنامي في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، يأتي في وقت لا تزال فيه الميليشيات الحوثية ترفض كافة المقترحات الأممية والإقليمية لتجديد الهدنة وتوسيعها والشروع في مفاوضات لإنهاء الحرب وإحلال السلام، مع استمرار تهديدها للملاحة الدولية وبشن الهجمات على موانئ تصدير النفط.
وكان وفد عُماني قد أنهى هذا الأسبوع زيارة إلى صنعاء، التقى خلالها زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي وآخرين من قادتها، حاملاً مقترحات جديدة في سياق سعي السلطنة لدعم الجهود الأممية والدولية من أجل إقناع الجماعة الانقلابية باختيار مسار السلام.
وزعم المتحدث باسم الميليشيات محمد عبد السلام الذي رافق الوفد العماني إلى صنعاء من مسقط، أن لقاءات الوفد «كانت مثمرة وقدمت تصورات للأفكار المطروحة في المفاوضات»، إلا أنه نقل عن زعيم الجماعة أنه جدد تهديداته باستمرار التصعيد و«قلب الطاولة».
وأكد المتحدث باسم الميليشيات الحوثية أن جماعته غير معنية بالتزام وقف النار، ملوحاً بالعودة إلى القتال في حال لم تنفذ مطالب جماعته المتطرفة، وقال في تصريحات نقلتها وسائل إعلام الميليشيات: «قواتنا في الميدان فرضت قواعد اشتباك جديدة (…) وحالياً لسنا أمام أي التزام فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، لكن توجد هناك جهود محترمة يبذلها الأشقاء في عمان بموازاة مناقشة أفكار لتحقيق تقدم».
وجدد المتحدث الحوثي موقف جماعته المتصلب من المقترحات الأممية في شأن تجديد الهدنة وتوسيعها وتثبيت وقف إطلاق النار، حيث تشترط الميليشيات الحصول على رواتب لنحو 700 ألف مسلح من عناصرها من عائدات النفط والغاز دون الحديث عن عائدات موانئ الحديدة والمقدرة بمئات المليارات من الريالات، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة الشرعية التي تبدي بدورها استعدادها لصرف رواتب جميع الموظفين المدنيين.
وفي حين تتذرع الميليشيات الحوثية في كل مرة بالحديث عن الجوانب الإنسانية للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، فإنها في الوقت نفسه ترفض فك الحصار العسكري المفروض على مدينة تعز منذ ثماني سنوات.
كما نفذت الميليشيات أكثر من هجوم إرهابي على موانئ تصدير النفط في حضرموت وشبوة ابتداءً من 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأدت الهجمات إلى عرقلة تصدير الخام، ووضع الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي المعترف به دولياً في موقف حرج لجهة الحرمان من عائدات النفط التي تسخر لخدمة المناطق المحررة.
ورداً على التعنت الحوثي ورفض دعوات السلام والتهدئة، كان وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، قد وصف ذلك في وقت سابق بأنه «إهانة للمجتمع الدولي»، داعياً إلى وقف ما وصفه بـ«سياسة الاسترضاء للميليشيات، وإلى انتهاج مقاربة مختلفة لإنهاء العبث بأمن المنطقة والاستقرار العالمي