تتسارع وتيرة التحركات في الملف اليمني، تحديداً داخل معسكر الشرعية، وسط تسريبات عن اقتراب موعد إعادة هيكلة مجلس القيادة الرئاسي والتوجه لتقليص عدد أعضائه.
وقال مصدر في قيادة المجلس الرئاسي اليمني، لـ”العربي الجديد”، إن هناك “تطورات مرتقبة داخل مجلس القيادة الرئاسي، يتم العمل عليها على أكثر من صعيد، من شأنها أن تحدد مستقبل الملف اليمني في ظل تفاهمات إيجابية وبناءة”، من دون أن يفصح عن طبيعة التطورات وتوقيتها.
لكن أربعة مصادر أخرى، تواصلت معها “العربي الجديد”، على اطلاع على عمل المجلس، أشارت إلى وجود نقاشات مكثفة مستمرة منذ فترة حول الشكل الجديد للمجلس، وإذا ما كان سيستمر بصيغته الحالية، أو يذهب نحو شكل جديد تطرحه بعض القوى، ويتكون من ثلاثة أشخاص، رئيس ونائبين له.
وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قد نقل في 7 إبريل/نيسان 2022، على نحو مفاجئ، السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي، ضم 8 أعضاء، برئاسة رشاد العليمي.
وضم المجلس من الشمال محافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة، ونجل شقيق الرئيس اليمني السابق العميد طارق صالح، ومستشار هادي، الشيخ عثمان مجلي، إلى جانب 4 شخصيات تنحدر من جنوب اليمن، هم رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي” عيدروس الزبيدي، وعبد الرحمن المحرمي، وفرج البحسني، وعبد الله العليمي باوزير.
ويتركز النقاش حالياً على تقليص عدد نواب الرئيس إلى اثنين بدلاً من سبعة، نائب يمثل الجنوب وآخر يمثل الشمال، بينما الرئيس الحالي يمثل الوسط.
ونفت كل المصادر، التي تحدثت إليها “العربي الجديد”، أن يكون للأمر علاقة بمشاورات السلام بقدر ما هي رغبة يمنية من قبل أطراف داخل الشرعية ترى أن تقليص النواب يقلل من حد التوتر داخل المجلس. وبحسب مصدرين، ممن تواصلت معهم “العربي الجديد”، فإن تمثيل الجنوب شبه محسوم لصالح الزبيدي، بينما تتم المفاضلة بين اسمين للشمال، هما طارق صالح وسلطان العرادة.
وكانت لقاءات قد جمعت أخيراً كل أعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني وقادة الأحزاب والأطراف والمكونات السياسية في الرياض، ناقشت العديد من الملفات، منها تماسك المجلس وهيكليته، وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية بما فيها إعادة النظر في الحكومة.
وفي السياق، طرح اسم العليمي باوزير ليكون رئيس حكومة بدلاً من رئيس الوزراء الحالي معين عبدالملك، إلى جانب مناقشة ملف السلام والتعامل مع مليشيات الحوثيين، بعد الاستهدافات التي طاولت منشآت اقتصادية استراتيجية، إلى جانب تعنتهم بملف السلام وإنهاء الانقلاب.
ومنذ تشكيله، طرحت أمام مجلس القيادة ملفات أثرت على تماسكه، أهمها أخيراً الصراع على وادي حضرموت، والاقتصاد وانهيار العملة، وتوقف صادرات النفط، إلى جانب ملف دمج قوات وتوحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى فشل الحكومة ما زاد من منسوب الغضب ضدها، وملف المفاوضات والضغوط الإقليمية والدولية.
وكانت مصادر في “الانتقالي” وحزبي “المؤتمر” و”الإصلاح” تحدثت، لـ”العربي الجديد”، عن مساع سعودية إماراتية لتقريب وجهات النظر حول جميع القضايا وإنهاء التوتر.
وجمعت لقاءات في أبوظبي والرياض والقاهرة بين المتصارعين خلال السنوات الماضية، ضمن مساعي توحيد وجهات النظر حول العديد من الملفات، في ظل مساع تقوم بها أطراف إقليمية ودولية لحلحلة تعقيدات الأزمة اليمنية والتخفيف من انهيار الوضع الإنساني.
ورأى الباحث حسام ردمان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تعيين رئيس ونائبين له مقترح قديم سبق تأسيس المجلس الرئاسي وعاد للحياة مجدداً بحكم تطورات المشهد، ومن المهم تحليل الدوافع الكامنة التي حفزت على إطلاق مثل هذا النقاش داخل الأوساط السياسية، وهي عدم فعالية الصيغة السياسية التي تمخضت عن مشاورات “الرياض 2”.
وأشار إلى أنه قبل تقييم مدى فاعلية هذه الفكرة، فإنه يجب أولاً الوقوف على الأسباب التي أدت إلى تراجع الآمال المعقودة على المجلس الرئاسي. ويمكن إجمالها في نقطتين: أولاً الضعف البنيوي لصيغة المجلس الرئاسي.
والحقيقة أن المعضلة ليست في الكم الكبير من النواب، سواء كانوا اثنين أو سبعة، فإن المهم هو إيجاد مرجعية قانونية تنظم صناعة القرار وتوضح طبيعة توزيع الصلاحيات، وأيضاً وجود برنامج سياسي مرحلي متوافق عليه، يحدد كيفية إصلاح مؤسسات الدولة وتقوية معسكر الشرعية. وطالما هذا الأمر غائب، فإن أي صيغة سلطوية جديدة سرعان ما قد تتحول من كونها حلا عاجلا إلى معضلة معقدة.
وأوضح ردمان أن النقطة الثانية التي تعيق تطور اتفاق “الرياض 2″ هي غياب المجال السياسي، الذي من خلاله تتم مناقشة الأفكار وتقريب وجهات النظر، وتحديد طبيعة المشاكل السياسية والمؤسسية التي تواجهها المحافظات اليمنية المحررة، واقتراح حلول توافقية وعملية لها.
وأشار إلى أن هذه المهمة كانت منوطة بهيئة التشاور والمصالحة، لكن الهيئة قدمت نفسها ككيان سلطوي تابع للمجلس الرئاسي ومسؤول عن إصدار المواقف السياسية المعبرة عن قيادته، وليس كمجال سياسي واسع يضم كافة مكونات الشرعية، يعمل على إنتاج التوافقات داخل المعسكر المناهض للحوثيين، ويضمن عدم انزلاقها إلى سلوك تصعيدي على الأرض، ويقدم المبادرات الأنسب للتعامل مع خيار السلام مع الحوثيين.
من جهته، قال الصحافي توفيق الجند، لـ”العربي الجديد” إن أي تغييرات تحصل في المرحلة السائدة، التي لم تتضح فيها نهائياً المخرجات النهائية للحوار الحوثي السعودي، تعتبر مجرد إضعاف للمجلس، الذي يعمل منذ إبريل الماضي حتى الآن ليتماسك حتى يتحول إلى سلطة، وحتى الآن لم ينفذ أو يتبنى سياسات واضحة. وتغييره يعني أنه يحتاج إلى فترة أطول من أجل أن يعبّر أو يخلق أو يتوافق على سياسات جديدة.
وبرأيه فإن أي تعديل في هذه المرحلة، يعتبر مزيداَ من الإفشال وإعاقة عمل المجلس، حتى لو أنه يعاني من خلل منذ تأسيسه، خاصة في ظل عدم وضوح آليات الاختيار للنائبين، التي قد تخلق مزيداً من الخلافات والمواقف المعرقلة من قبل باقي الأعضاء الخمسة المستبعدين من نيابة العليمي.
ولفت إلى أنه “بغض النظر عن الأسماء، فإن أي تغيير على كيان لم يتماسك بعد، ولم يقرر سياسات، ولم يتخذ قرارات فعالة بالشأن العام، يعني أن هناك اعتراضا على سياسات أو مواقف بعض أعضاء المجلس”.
وتابع: “ليس هناك هدف واضح أمامي أستطيع أن أجده كمبرر، إلا إذا كان هناك رفض من أعضاء في المجلس الحالي لمخرجات المباحثات السعودية الحوثية، أو هدف لإعداد نسخة من المجلس تتولى التفاوض مع أنصار الله (الحوثيين) بشكل يتوافق مع مخرجات تفاوض الجماعة والرياض”.