عاد الحديث في كواليس المشهد السياسي اليمني حول خيارات المرحلة الانتقالية بعد أيام قليلة من الإعلان رسميا عن تعيين الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ مبعوثا أمميا جديدا إلى اليمن خلفا للبريطاني مارتن غريفيث.
وكشف وزير الخارجية اليمني الأسبق أبوبكر القربي في تغريدة على تويتر أن تعيين المبعوث الأممي الجديد يأتي “بينما يتم بحث حل أزمة اليمن من خلال نقل السلطة إلى نائب رئيس توافقي جديد أو بتشكيل مجلس رئاسة”.
وأضاف “لذلك على المؤتمر تقديم رؤية ومشروع وطني لإعادة تشكيل رئاسة دولة قادرة على إنهاء الحرب والبناء دون اعتبار لمشاركة المؤتمر في السلطة أو المحاصصة”.
ووفقا لمصادر دبلوماسية، فقد تجدد الحديث بصوت خافت عن مخارج جديدة للأزمة اليمنية تقترب من خطة وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري التي تقدم بها في العام 2016 وقوبلت برفض الحكومة اليمنية آنذاك، وتضمنت مقترحا لنقل صلاحيات الرئيس اليمني إلى نائب توافقي يحظى بموافقة جميع الفرقاء اليمنيين.
وتؤكد المصادر أن البحث عن حلول مغايرة لحلحلة الملف اليمني يأتي نتيجة حالة الجمود التي خيمت على المسار السياسي وفشل الجهود الدولية في الدفع بخطة المبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن غريفيث التي رفضها الحوثيون.
وربط مراقبون يمنيون بين التحركات الدولية في اتجاه تقديم مبادرة جديدة شاملة للحل في اليمن تتجاوز خطة الإعلان المشترك وبين عقد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الأحد لأول اجتماع لمجلس الدفاع الوطني الذي يضم قيادات الشرعية منذ فترة طويلة.
وأشارت مصادر يمنية مطلعة إلى أن مأرب باتت حجر الزاوية في تحديد مستقبل الحل السياسي القادم في اليمن، حيث يبدي الحوثيون إصرارا على إسقاط المدينة قبل الدخول في أي تسوية سياسية لإنهاء الحرب، وهو الأمر الذي أبلغوه للمبعوثيْن الأممي والأميركي إلى اليمن في اللقاءات التي تمت في مسقط وصنعاء خلال الفترة الماضية، وفقا لما كشفته “العرب” في وقت سابق.
وفي هذا السياق نقل موقع “خبر أونلاين” الإيراني عن كمال خرازي وزير الخارجية الأسبق ورئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية خلال لقائه نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله اللبناني اعتبار ما وصفه “إطلاق سراح مأرب” بأنه “مفتاح حل الأزمة اليمنية” وأمر “فعال في بدء المفاوضات والمشاورات الإقليمية”، في إشارة إلى تمسك الحوثيين بمبدأ السيطرة على المحافظة الاستراتيجية كشرط للدخول في أي حوار سياسي ترعاه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وألمحت مصادر سياسية يمنية إلى سعي المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن لإحياء مسار مختلف لحل الأزمة اليمنية يقوم على تقديم رؤية شاملة للحل، على خلاف المبادرات الجزئية التي كان يعمل سلفه على إخراجها إلى النور. وأكدت المصادر أن فشل جهود المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ في دعم خطة غريفيث والمبادرة السعودية، قد يعيد إلى الواجهة ملامح الخطة التي تقدم بها وزير الخارجية الأميركي الأسبق والمبعوث الأميركي حاليا لشؤون المناخ جون كيري التي تضمنت آلية للمرحلة الانتقالية في يمن ما بعد الحرب.
نقاش عام حول نقل صلاحيات الرئيس إلى نائب توافقي أو تشكيل مجلس رئاسي من ممثلين للقوى الرئيسية في اليمن
وأشارت مصادر مطلعة لـ”العرب” إلى تبني عدد من المكونات والقوى اليمنية لرؤى متباينة حول انتقال السلطة في اليمن طبقا لتدابير الفترة الانتقالية بعد الحرب، حيث تتبنى أطراف في حزب المؤتمر الشعبي العام خيار نقل صلاحيات الرئيس إلى نائب توافقي، فيما تطالب أطراف أخرى من بينها ابن شقيق الرئيس السابق العميد طارق محمد عبدالله صالح قائد المقاومة الوطنية في الساحل الغربي لليمن بتشكيل مجلس رئاسي يضم ممثلين عن مختلف القوى والأطراف الرئيسية في اليمن.
وتؤكد المصادر أن النقاش الذي يدور حول تفاصيل المرحلة الانتقالية يندرج في إطار تبادل الأفكار ولم يصل بعد إلى مرحلة النقاش الجاد، غير أن نتائج العمليات العسكرية على الأرض وخصوصا في محافظة مأرب شرقي صنعاء قد تكون حاسمة في تحديد طبيعة وشكل ما بعد وقف إطلاق النار في الفترة المقبلة.
وفي الوقت الذي تسعى بعض الأطراف والقوى اليمنية المناوئة للحوثي للعب دور سياسي خلال المرحلة القادمة في ظل تحفظها على شكل “الشرعية” الحالي وسيطرة بعض القوى على قرارها، لا يبدي الحوثيون أي تفاعل حقيقي مع المقترحات المتداولة للمرحلة الانتقالية، إلا بقدر ما تخدم هذه التحولات أهدافهم السياسية والعسكرية ورغبتهم في فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض بمعزل عن التفاعلات المحلية والإقليمية والدولية التي تدفع أكثر من أي وقت مضى نحو طي ملف الحرب في اليمن والتوصل إلى تسوية سياسية تتعامل مع المعطيات النهائية التي تكونت خلال سبع سنوات من الحرب.
ويعتبر مراقبون أن استمرار فشل الشرعية وعلى وجه الخصوص في مواجهة الأعباء العسكرية للحرب وعكس نتائج التغول الحوثي، سيعزز من فكرة تفكيك منظومة الشرعية بشكلها الحالي في ظل حالة الانقسام والتشظي بين مكوناتها لصالح مشروع “شرعية توافقية” جديدة سيصب في صالح الحوثيين بوصفهم الطرف الأكثر قوة وتماسكا على الأرض.
ووصف مراقبون كشف وسائل إعلام غربية عن إرسال لندن قوات خاصة إلى محافظة المهرة بأقصى شرق اليمن لملاحقة منفذي الهجوم على ناقلة النفط ميرسر ستريت الذين يعتقد أنهم حوثيون، بأنه مؤشر على تصاعد حالة القلق الدولي من تداعيات الحرب اليمنية وانعكاسها على أمن الملاحة الدولية، الأمر الذي يعزز من احتمال سعي المجتمع الدولي خلال الفترة القادمة لتقديم حزمة جديدة من المبادرات لإنهاء الحرب، قد تتسم في بعض تفاصيلها بالانتهازية السياسية وتقبل المعطيات على الأرض بعيدا عن مرجعيات الحل القديمة للأزمة اليمنية التي ظلت تتشبث بها الحكومة المعترف بها دوليا.