توضيح لا بد منه منعاً لحكم مغلوط.
أولاً: مناصرة فلسطين، وقضيتها، وشعبها، واجب ديني، وإنساني، وأخلاقي، وهو فرض عين على كل فرد في الأمة، لكن موضوعنا لا علاقة له بهذا الواجب، بل هو يناقش مسألة توظيف القضية الفلسطينية، لصالح اعدائها وتنفيذ مخططاتهم.
ثانياً: عقلية الأكثرية العاطفية، دوما تقود للضلالة، حقيقة رحمانية وقرآنية، ونفسية، واجتماعية، وهي سبب نكباتنا، فالأكثرية في كتاب وحي الله دوماً مذمومة، يقول سبحانه ﴿وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ﴾ [الأنعام ١١٦].
ثالثاً: الحق هو اسم من أسماء الله، ﴿ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا یَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡكَبِیرُ﴾ [الحج ٦٢]، وعليه فلا يمكن أن تكون هناك علاقة بين الحق والباطل، فالحق هو الله ودينه، والباطل هو الشيطان ومنهجه وعنصريته، والحق لا يمكن أن ينتصر بالباطل، والباطل لا يمكنه أن يقيم الحق، أو ينصره، لأنه ضد الحق، فالباطل والحق لا يلتقيان.
خطاب للعقل لا العاطفة.
أكتب في هذه الأسطر كلمات تخاطب العقل لا العاطفة، وقد لا يقبلها الذين يقدمون العاطفة على العقل، لأنها لا تناسب الأهواء والظنون، لكنها تشير -من وجهة نظري- لحقيقة وضعنا كأمة، حين نقع في خطأ التقدير والموقف بسبب تغييب العقل، والذي يقودنا، لمعاناتنا، وحروبنا، ومآسينا، وخسائرنا، فنحن اليوم في مقام لا يحتمل مزيد من الانتكاسات.
والحق الفلسطيني ابلج من شمس النهار، وجرائم عدوان الاحتلال الإسرائيلي، على غزة وفلسطين لا يمكن اخفائها، ولهذا فحق فلسطين وشعبها، لا يحتاج لباطل ينصره.
لقد صدمني تقديرك وتثمينك لموقف المليشيات الحوثية العنصرية، فيما زعمت بأنها قامت به لنصرة غزة وفلسطين، وهي التي اتخذت عنصرية إبليس منهجاً، وديناً وسلوكاً، تمارسه ضد الشعب اليمني، وهو نفس ما يمارسه جيش الإحتلال، بحق شعبنا وشعبك في فلسطين، وهذا التقدير والتثمين منك، هو تقدير لنفس الباطل العنصري، الذي تقاومه ويقاومه شعب فلسطين، في كل فلسطين، ويقاومه اليمنيون بقيادة الشرعية اليمنية في كل اليمن.
هل سمعت عن العنصرية الإمامية التي ترى في جماعتها، أنها مفضلة من الله، وأن الله أعطاها حق امتلاك اليمن وأرضه، وحكم شعبه، وتحويل اليمنيين لعبيد لها، أليس هذا هو ما يمارسه الاحتلال مع شعب فلسطين.
سبعون عاماً والمتاجرون بالقضية الفلسطينية، ما زادوها نصرة ولا عوناً، بل زادوها دماً ودماراً، وزادوا جيش الاحتلال تمكيناً وحصوله على مزيد من الأرض والهيمنة.
وأخاطبك كيمني يعيش مأساة وطنه وشعبه، كما يعيش مأساة فلسطين وشعبها، هل سمعت عن المدن اليمنية المحاصرة من قبل المليشيا الحوثية، وهل تعرف أن أكثر من ٣ ملايين مواطن يمني محاصر في مدينة تعز منذ ٨ أعوام، هل تعرف البيوت والمدن التي تم تدميرها في اليمن، هل تعرف عدد الألغام التي زرعتها المليشيات الحوثية، وهل تعرف ضحاياها وضحايا القصف والقنص، لليمنيين من قبل المليشيات الحوثية، هل تعرف عدد الشهداء والجرحى والنازحين في الداخل والخارج، من جراء الحرب التي قامت بها المليشيا الحوثية ضد الشعب اليمني تحت عنوان ” حملة أشداء على الكفار” وهل تعرف الدمار الذي ألحقته هذه المليشيات، بالقرى والمدن اليمنية، لن أسرد لك الأرقام المهولة، تحت كل فقرة مما ذكرت، بل أحيلك لتقارير المنظمات المعنية، ولتقارير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، لتعرف أن مأساتنا ومعاناتنا كيمنيين، هي نفس مأساتكم ومعاناتكم كفلسطينين، باختلاف المقاييس فقط.
ألا تدركون كمقاومة، أن من يستهدف تدمير الدول العربية وجيوشها، وتمزيق الشعوب والأوطان، ويشعل حروب الكراهية المذهبية، ما هو إلا أداة لتنفيذ المشروع الصهيوني لرأسمالية التوحش، ولا يعمل لتحرير فلسطين، ودعم قضيتها، بل يعمل على القضاء على القضية، وضياع فلسطين، من خلال ما يمارسه من حروب وتمزيق للأمة العربية.
إن رأسمالية التوحش هي من صنعت الصهيونية، والكيان الغاصب، وهي من صنعت كل المشاريع، الممزقة للأمة، والتي ترفع فلسطين وقضيتها شعاراً، بينما في حقيقتها تعمل على تنفيذ مشاريع هيمنة رأسمالية التوحش على فلسطين والمنطقة، والتاريخ يؤكد النكبات التي صنعتها الشعارات الشعبوية، في دولنا وشعوبنا، كما يبين كل ما قدمته الغوغائية والشعبوية الغير واعية، لفلسطين والأمة.
إن تاريخنا المعاصر يفضح كل الشعارات الشعبوية، والمتاجرين بالقضية الفلسطينية، وها هو حال الأمة، والتوسع الصهيوني المستمر منذ ٤٨، دليل قائم وشاهد على نكباتنا وخيباتنا كأمة.
غزة وأبطالها ومقاومتها صنعوا ملحمتهم ونصرهم العظيم، بنضالهم المتواصل، وإرادتهم الصلبة، وإيمانهم الصادق، وتضحياتهم المستمرة، قبل ٧ أكتوبر، ويوم ٧ أكتوبر وبعده، ووثقتها ونقلتها الفضائيات، وبينت وسائل الإعلام والتواصل، الملاحم البطولية لشعب أعزل، وهو يواجه جرائم التوحش، وأعتى ألة عسكرية عرفها التاريخ، وعرف العالم ما قدمته غزة من شهداء وجرحى، وما حدث فيها من تهجير قسري، ودمار شامل، وصل لتدمير كل وسائل الحياة .
وعليه فالقضية الفلسطينية هي قضية حق، وانتصارها حتمي، هذا وعد الله الحق وقوله، فما الذي قدمته تهديدات المليشيا الحوثية لتحقيق هذا النصر، غير شعارات مرفوعة، وأعمالاً دعائية اعطت رأسمالية التوحش مزيداً من الهيمنة، على بحار المنطقة ومواردها، هل أدركت سبب تسمية التحالف الذي أقامته أمريكا وشركائها باسم “حراس الازدهار” لحماية السفن من تهديدات المليشيات الحوثية.
أي منطق تجده في هذه التسمية، حسنا لنسير معاً، في منطق اللا منطق، لقد كان أمام أمريكا وإسرائيل والشركاء، لمواجهة الشعار الذي رفعته المليشيات الحوثية “لا سفن لإسرائيل دون اغاثة لغزة” أحد أمرين:
الأول: أن يعملوا على ادخال الإغاثة والمعونات والغذاء والاحتياجات لغزة، ويوقفوا العدوان.
الثاني: أن يواجهوا هذه المليشيات التي اختطفت بلداً ولا يعترف بها أحدا، ويمنعوها من تهور تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، أو توجيه ضربات عسكرية لها، وتصنيفها إرهابية لمهاجمتها أهدافاً مدنية، وما نجده هو امتناع أمريكا وإسرائيل، حتى الآن عن توجيه رصاصة واحدة على المليشيا الحوثية، التي لا تتمتع بأي حصانة دولية، لكنهم بدلاً من ذلك عقدوا المشاورات لإنشاء تحالف الازدهار، وهو تحالفاً فضفاضاً تسميةً وهدفاً ومشروعاً، ودلالته الأمنية والاقتصادية لا تخفى على ذو بصر وبصيرة.
هل تابعت أخي أسامة حمدان العملية الهوليودية للاستيلاء على سفينة “غالاكسي ليدر” وبتصوير فائق الدقة ومن مختلف الزوايا، ألا يذكرك هذا بتصوير احداث أبراج التجارة العالمية، وما عرف حينها بأحداث 9/11، وقطعاً تعرف الثمن التي دفعته أمة الإسلام -مقابل هذا الهجوم المزعوم- دولاً وشعوب وجيوش وثروات حتى اليوم.
إن الصواريخ التي قيل انهم اطلقوها على قطع الأسطول الأمريكي، سقطت على بعد حوالي ١٠ ميل بحري يعني حوالي ١٥ كيلو متر بعداً عن السفن الأمريكية، أين دقة إصاباتهم في هجومهم على مواني الشرعية، إن كانوا هم الذين اطلقوا الصواريخ حقاً، أين شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل عملياً.
ألم تلاحظ أن أمريكا والغرب لم يصفوا ولم يصنّفوا هذه المليشيات بأي وصف أو تصنيف، من الأوصاف والتصنيفات التي ينعتونكم بها باطلاً، كمقاومة فلسطينية “حماس” أو ينعتون بها مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية، لقد تغاضوا عن وصف الحوثيون بالإرهاب، بل وأسقطوا عنهم ذلك، ثم أليست أمريكا هي من مهدت لوصول الخميني لطهران، والحوثي لصنعاء، أليست رأسمالية التوحش هي من مكنت إمامة ولاية الفقيه، من تدمير دول وجيوش وشعوب ٤ دول عربية، وهي من منعت التحالف العربي والجيش اليمني، من استعادة الحديدة والمواني المطلة على البحر الأحمر، أليست هي من غضت الطرف عن مهاجمة المليشيا الحوثية لدول الجوار، وتهديد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، أليست هي من شرعنت وحافظت على المليشيا الحوثية بمفاوضاتها المكوكية، أليس وزير الدفاع الأمريكي الجنرال أوستن، هو من كان يدعم الحوثيين بهدوء بحجة محاربة الإرهاب، حين كان قائداً للقيادة المركزية الأمريكية.
إن تآمر مكرهم الذي تزول منه الجبال، وغيبة وعي الأمة، الذي أوقعها في فخاخ هذا التآمر، والذي جعل لكل دولة عربية نكبتها وفلسطينها الخاصة بها.
أرجوا أن تكون حقائق توظيف القضية الفلسطينية واضحة لدى المقاومة الفلسطينية، وأنت مقاوم وسياسي ومن قادتها، وصاحب قضية الحق “فلسطين ضمير الإنسانية”.
إن المتابع لتوظيف المليشيا الحوثية للقضية الفلسطينية، يجد أن هذا التوظيف قدم كل المبررات لرأسمالية التوحش، لتشكيل تحالفها البحري، للهيمنة على البحر الأحمر والمنطقة، بعيداً عن دوله المطلة، وهو الدور الذي وجدت لتأديته، كل ميليشيات التطرف والإرهاب، ومليشيات ولاية الفقيه، والهادف لتمكين رأسمالية التوحش، من اعادة الاستعمار، والسبق في معركتها ضد قوى الشرق الصاعدة.
أما آن الأوان لدعاة الحق العربي والفلسطيني أن يدركوا أن الباطل لا يقيم الحق.
أولم يحين الوقت للعقل العربي، أن يفيق من سباته، ويستعيد منهج القراءة الحقة، لدينه، وقرآنه، وتراثه، وتاريخه، وواقعه، وصراعاته، وحروبه، ليستعيد وعيه،ويخرج من هيمنة الاستعمار، ونفق التيه، وحروب الدمار.