اذاعت احدى أكبر وكالات الانباء الامريكية، اعلانا مفاجئا اعتبره مراقبون “غريبا ومريبا” بشأن اليمن وجماعة الحوثي الانقلابية، ومحصلة مواجهات قرابة عام بين تحالف “حارس الرخاء” الامريكي البريطاني والجماعة في مياه البحرين العربي والاحمر والمحيط الهندي، تحت عنوان صادم: “امريكا تخسر معركة البحر الاحمر”.
جاء هذا في تقرير تحليلي نشرته وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية الشهيرة، للكاتب هال براندز، تحت عنوان “امريكا تخسر معركة البحر الاحمر”، وجاء فيه: إن “الولايات المتحدة تخسر المعركة في البحر الأحمر حيث تشن جماعة الحوثي هجماتها المتصاعدة منذ 19 من نوفمبر الماضي على سفن الشحن وتسببت بأزمة حادة في سلسلة التوريد”.
مضيفا: إنه “حتى وفقًا للمعايير الشرق أوسطية، كان العام الماضي مليئًا بالمفاجآت. فقد أدى هجوم مفاجئ من قبل حماس إلى إنتاج أكثر الأيام دموية لليهود منذ الهولوكوست”. حسب زعمه في الاشارة إلى عملية “طوفان الاقصى” التي جاءت ردا على حصار قطاع غزة لسنوات والاعتداءات الاسرائيلية على القدس والمسجد الاقصى.
وتابع الكاتب السياسي الامريكي الشهير هال براندز في تقريره التحليلي: “لكن المفاجأة الأكبر هي أيضا الأكثر شؤما بالنسبة للنظام العالمي، فقد شنت جماعة الحوثيين في اليمن، وهي جهة فاعلة شبه دولة لم يسمع بها معظم الأميركيين من قبل، أخطر تحد لحرية البحار منذ عقود ــ ويمكن القول إنها هزمت قوة عظمى منهكة على طول الطريق”.
مستعرضا ما وصفه “الخسارة الامريكية” بقوله: “بدأ الحوثيون حملتهم ضد الشحن عبر باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر وخليج عدن، في أواخر عام 2023. وهم يهاجمون ظاهريا بدافع التعاطف مع الشعب الفلسطيني، ولكن أيضا لكسب مكانة داخل ما يسمى محور المقاومة، وهي مجموعة من الوكلاء في الشرق الأوسط الذين زرعتهم إيران”.
ومضى قائلا: “في يناير، ردت واشنطن بعملية حارس الرخاء، التي تضمنت جهودا دفاعية من المدمرات الامريكية لحماية الشحن من الطائرات بدون طيار والصواريخ، فضلا عن الغارات الجوية ضد قدرات الحوثيين الهجومية داخل اليمن. وكانت النتائج متوسطة في أفضل تقدير. فقد خفض الحوثيون حركة المرور في قناة السويس وأفلسوا ميناء إيلات”.
مضيفا: “بعد مرور ما يقرب من عام، تبدو جماعة الحوثي أقل ردعا من التشجيع: فقد شلت مؤخرا ناقلة نفط (يقصد سفينة سونيون اليونانية)، مما يهدد بتسرب مع عواقب بيئية كارثية. وأصبح الممر المائي الذي يحمل 10٪ إلى 15٪ من التجارة العالمية منطقة قتل، حيث تجمع هذه الملحمة بين الديناميكيات القديمة والجديدة”. حسب تعبيره.
وأردف قائلا: “كان باب المندب، الذي يعني باللغة العربية ‘بوابة الدموع‘، منذ فترة طويلة مركزا للصراع. وتحيط بهذه النقطة الخانقة حالة من عدم الاستقرار في جنوب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي. لقد أدى هذا الوضع إلى نشوب صراعات وتدخلات أجنبية لعقود من الزمن، ولكن حملة الحوثيين تعرض أيضًا مشاكل عالمية أحدث”.
ساردا خمسة عوامل أو ملامح رئيسة لما يحدث في باب المندب والبحر الاحمر منذ قرابة العام، بقوله: “أحدها هو انخفاض تكلفة فرض القوة، يقول براندز إن الحوثيين ليسوا قوة عسكرية تقليدية؛ فهم لا يسيطرون حتى على اليمن بشكل كامل. ومع ذلك فقد استخدموا الطائرات بدون طيار والصواريخ للسيطرة على الوصول إلى البحار الحيوية”.
ونوه إلى أن “الحوثيين حصلوا على مساعدة في القيام بذلك: فقد قدمت إيران الأسلحة والمعرفة اللازمة لتصنيعها. لكن أزمة البحر الأحمر لا تزال تُظهر كيف يمكن للجهات الفاعلة الصغيرة على ما يبدو استخدام قدرات رخيصة نسبيًا لتوسيع نطاقها التدميري”. ما اعتبره مراقبون تسويقا امريكيا لجماعة الحوثي بوصفها صارت قوة مدمرة في المنطقة.
مضيفا: “الميزة الثانية هي التآزر الاستراتيجي بين أعداء الولايات المتحدة. فقد أصبح الحوثيون أكثر شراسة بفضل التوجيه من إيران وحزب الله (جنوب لبنان). فمنذ أكتوبر 2023، سمحوا لمعظم الشحن الصيني بالمرور دون ضرر. كما تلقى الحوثيون التشجيع – ويبدو الدعم المباشر – من روسيا الحريصة على الانتقام من واشنطن”.
كما اتهم الكاتب السياسي الامريكي الشهير هال براندز في تقريره التحليلي كلا من الصين وروسيا باستغلال احداث البحر الاحمر لصالحهما، بقوله: إن “بكين وموسكو تجنيان المكافآت الجيوسياسية عندما تتحمل أميركا أعباء الصراعات في الشرق الأوسط، لذا فإن كلاً منهما على استعداد للسماح لهذه الأزمة بالتفاقم، أو حتى جعلها أسوأ”.
وبرر “خسارة امريكا” بحديثه عن “عامل ثالث يزيد من تأجيج الأمور: نفور أميركا من التصعيد، والذي يتجذر في الإفراط في التوسع العسكري. فقد تحولت قوة عظمى عالمية إلى مجرد عداء غير حاسم مع مجموعة من المتمردين اليمنيين”. منتقدا تصريحات البنتاغون، بقوله: “ومن التهرب أن نزعم أن هذا التطرف ذاته يجعل الحوثيين ‘غير قابلين للردع‘”.
معتبرا في هذا السياق، أن “القضية الأساسية هنا هي أن واشنطن ترددت في اتخاذ تدابير أقوى ــ مثل إغراق سفينة الاستخبارات الإيرانية التي تدعم الحوثيين، أو استهداف البنية الأساسية التي تدعم حكمهم داخل اليمن ــ خوفا من تأجيج الموقف الإقليمي المتوتر”. ورأى أن “هذا النهج قد حد من خطر التصعيد في الأمد القريب”. من ناحية.
واستدرك: “ولكنه سمح لطهران والحوثيين بإبقاء المواجهة على نار هادئة عند درجة الحرارة المفضلة لديهما. وهذا النهج يعكس التعب الكامن الذي يعاني منه الجيش الأميركي الذي يفتقر إلى ما يكفي من الصواريخ المجنحة والقنابل الموجهة بالليزر والطائرات الهجومية والسفن الحربية لمواصلة الحملة بشكل أكثر عدوانية دون المساس باستعداده للصراعات في أماكن أخرى”.
ذاكرا “سمة رابعة: هي تعفن المعايير التي اعتبرها المجتمع الدولي أمرا مفروغا منه. والواقع أن الضرر التجاري العالمي الذي تسبب فيه الحوثيون كان محدودا في واقع الأمر، وذلك بفضل قدرة شبكات الشحن التي تدعم الاقتصاد العالمي على التكيف. ولكن السابقة مروعة: فقد قلب الحوثيون حرية البحار في منطقة بالغة الأهمية ودفعوا ثمنا متواضعا للغاية”.
وبحديثه عن العامل الخامس، قال براندز: “إن حرب روسيا في أوكرانيا تؤكد في الوقت نفسه على مبدأ أساسي آخر، وهو القاعدة ضد الغزو القسري. الواقع أن الجهات الفاعلة التنقيحية تتحدى القواعد العالمية التي تدعم الرخاء النسبي والأمن والاستقرار في عالمنا بعد عام 1945م”. وأردف: “ربما لا يكون التصحيح الدرامي للمسار من جانب الولايات المتحدة وشيكاً”.
مضيفا: “فما زال الرئيس جو بايدن يطارد وقف إطلاق النار المراوغ بين إسرائيل وحماس؛ وهذا من شأنه على الأقل أن يحرم الحوثيين وغيرهم من وكلاء إيران من ذريعة العنف، حتى لو لم يكن أحد متأكداً حقاً من ما إذا كان هذا من شأنه أن ينهي هجمات الشحن في البحر الأحمر. وهو يأمل في اجتياز الانتخابات الرئاسية دون المزيد من المتاعب مع طهران”.