أرجو أن أكون خفيف الظل وأنا أتوقف عند إشكالية تكاد تكون شبه مزمنة في حياة اليمنيين من حيث صلتها بحالات العشوائية والتسيّب واللامبالاة الضاربة أطنابها في كل اتجاه.
من حيث المبدأ يغيب التخطيط كلياً في تفاصيل الحياة عند عموم اليمنيين، إذ ليس ثمـة تحديداً مسبقاً و واضحاً عما نريده في هذه الحياة وكأن حالنا قائم في أساسه على الارتجالية التي تعتبر صفـة ملازمة لحياتنا في مختلف الأعمار والأحوال وهو ما يرتب كذلك بروز إشكاليات عديدة لا يمكن الفكاك منها حاضراً أو مستقبلاً مهما كانت الحلول المطروحة.
في البدء ليس غـريباً أن ينجب ربّ الأسرة أولاداً بغير عدد لا يستطيع في أغلب الحـالات توفير أبسط الشروط الملائمة لتحقيق العيش الكريم لهم، وهـو الأمر الذي ينعكس تلقائياً على مجمل الالتزامات تجاه تكوين أسرة ناجحة، بل وتنعكس هذه العشوائية على إمكانية قدرة الحكومة – أياً كانت – في توفير احتياجات المجتمع المتزايدة التي لا يمكن لأية حكومة الوفاء بكامل تلك الاحتياجات والمتطلبات وبخاصة إذا ما ظـلت نسبة النمو السكاني على هـذه الوتيـرة من الازديـاد، بل وتـزداد حـدة المشكلة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الموارد المحدودة والمتاحة للتنمية.
ومع الأسف الشديد فإنه في الوقت الذي تتسابق فيه الأحزاب على مصالحها النفعية الضيقة.. وينشغل الجميع بإعطاء الأولوية للشأن السياسي لا نجد أيـاً من هذه الأطراف يهتم بمثل هذه التحديات الحقيقية والتي تعد بمثابة قنبلة موقوتة في قادم الأيام، بل ودون أن نجد في أدبيات هذه الأحزاب ما يشير إلى مخاطر الازدياد السكاني وطرح المعالجات الممكنة لمحاصرتها أو التقليل من آثارها الكارثية.
إذاً لا غرابة أن تكون هذه القضية في طليعة التحديات البارزة أمام المجتمع.. ومع ذلك لا نجد من يوليها اهتماماً أو نقاشاً إلاّ من بعض السجالات العابرة والسطحية وهو ما يتطلّب من تلك التنظيمات والنخب – والحكومية منها تحـديدا ً- إحيـاء وتفعيـل الرسالة التوعوية سواء في خطابها الديني أو في مجالها الإعلامي بهدف تكثيف التوعية بهــذه الاشكاليات المزمنة وتبصير المواطن إلى مترتبات استمرارية هذه العشوائية في حياتنا عموماً والأسرية خصوصاً.. وهي مترتبات – دون شك – تلقي بظلالها السلبية على المجتمع وكيان الدولة على حد سواء وذلك من خلال استنزاف الموارد المحدودة، حيث سيبقى الفرد والحكومة على الدوام في موقع الشكوى، الأول يشكو ضيق ذات اليد الأمر الذي لا يمكنه القيام بواجباته الأسرية.. والحكومة ستظل غير قادرة البتة على الوفاء بتنفيذ مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مهما حاول البعض إضفاء مسحة من “البروبجاندا” على صورة الحكومات المتعاقبة