تحليل لما بعد الإجراءات التي اتخذها المجلس الرئاسي بحق مليشيات الحوثي..
ما مدى فعالية تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية وأهميته وقدرته على التنفيذ؟.
لماذا تأخر هذا القرار كل هذه السنوات.. ما الذي كانت تنتظره الحكومة؟.
تفاجأ كثيرون بقرار مجلس الدفاع الوطني التابع للحكومة اليمنية، بتصنيف مليشيات الحوثي منظمةً إرهابية، كونه يأتي بعد ثماني سنوات من الحرب الشعواء بين الجانبين.
وهو ما أثار تساؤلات المراقبين حول الأسباب التي منعت الحكومة اليمنية من اتخاذ قرار كهذا، في ظل الانتهاكات المتواصلة للمليشيات بحق اليمنيين.
كما أن ما قام به الانقلابيون من حمل السلاح على الدولة والانقلاب على شرعيتها، بالإضافة إلى استمرارها بقتل وتشريد المدنيين؛ يجعل قرار تصنيف الحوثيين كإرهابيين مبررا ومنطقيا.
تلك المعطيات جميعها كان يجب أن تدفع نحو اتخاذ هذا القرار، ليس فقط من قبل الحكومة اليمنية، ولكن أيضا من المجتمعين الإقليمي والدولي، خاصة في ظل تهديدات الحوثيين لدول الجوار والملاحة العالمية منذ سنوات.
لكن هناك الكثير من الأسباب التي يمكن أن تكون “مقنعة” فرضت على الحكومة اليمنية عدم اتخاذ مثل هذا القرار والتصنيف بحق الحوثيين بشكل مبكر، رغم استحقاق المليشيات لهذه الصفة منذ الوهلة الأولى لاستيلائها على صنعاء.
إلا أن الحكومة اليمنية- بحسب سياسيين- كانت تضع مصالح المواطنين المتواجدين في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي في حسبانها، وهو ما أخر القرار المحلي بتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية.
بالإضافة إلى أن هذا القرار يحمل تأثيرات عميقة في حالة تنفيذه، وتفسيرات عديدة ومختلفة لدرجة التباين حول طريقة تطبيقه، بل حتى بشأن مستقبل تنفيذه وإمكانية ذلك على الواقع، وعلاقة الحكومة بالمؤسسات والكيانات والأفراد التي تتعامل مع الحوثيين بعد قرار التصنيف.
> ما الذي يعنيه القرار؟
يحمل قرار تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، الكثير من المؤشرات سواءً فيما يتعلق بتوقيته أو دلالاته، كما أن تأثيرات تنفيذه تبدو وكأنها تدخل معركة تحدي مع الواقع.
فالقرار الذي اتخذ غداة هجمات مليشيات الحوثي بطائرات مسيرة على ميناء الضبة النفطي جنوب محافظة حضرموت (شرق اليمن)، لم يكن هو الحدث الوحيد المتسبب بإعلان قرار وتصنيف كهذا.
بل إن التصنيف المحلي للحوثيين كإرهابيين جاء نتيجة تراكمات سابقة لانتهاكات المليشيات وتهديداتها بحق البنية التحتية اليمنية في المناطق المحررة، والملاحة الدولية ودول الجوار.
لكن الهجمات المسيرة على ميناء الضبة كانت بمثابة “القشة التي قسمت ظهر البعير”، كونها جاءت تهديدا لسفينة رابضة في الميناء تنقل النفط اليمني للتصدير إلى الخارج، الأمر الذي يهدد ما تبقى من اقتصاد البلاد المترنح أصلا.
كما أنه هجوم يزيد من مخاطر التأمين على النقل البحري القادم إلى اليمن عبر موانئها، ويجعل من الانهيار المعيشي للشعب اليمني حتميا، رغم محاولات الحكومة إنقاذ ما تبقى من التوازن الاقتصادي الموجود.
فهجمات كهذه كفيلة بانقطاع حركة الملاحة البحرية وناقلات النفط وسفن البضائع التجارية والغذائية إلى الموانئ اليمنية، ما يفرض الجوع على كافة الشعب اليمني، بمن فيهم أولئك القابعين في مناطق سيطرة الحوثي الذين تطالب المليشيات بصرف مرتباتهم!.
ولهذا جاء هذا القرار ليضع حدا لكل تلك التهديدات، وليس هذا فقط، ولكن تصنيف الحوثيين كإرهابيين يعني أن الحكومة اليمنية تحولت من حالة الاستجداء والتنازلات التي طالما قدمتها للمليشيات إلى حالة المواجهة، التي يمكن أن تكون عسكرية هذه المرة.
لكن في المقابل، يرى متابعون أن قرار التصنيف هذا قد لا يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع، ورغم أهميته السياسية إلا أن تأثيراته وفاعليته العسكرية والفعلية قد تكون محل شك.
> ماذا بعد قرار التصنيف؟
يعتقد البعض أن الحكومة اليمنية وهي تعلن قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يأتي بهدف امتصاص السخط الشعبي من ممارسات الحوثيين، وأنه لن يعدو عن كونه مجرد قرار سياسي قد لا تنعكس تأثيراته لصالح تقوية موقف الحكومة أو تضييق الخناق على المليشيات.
وهذا التشكيك في قرار التصنيف يدفع آخرين إلى التفكير بمصير الرحلات الجوية الإنسانية التي سمحت بها الحكومة عبر مطار صنعاء الدولي خلال الهدنة الأممية، بالإضافة إلى إمكانية إيقاف سفن الوقود والغذاء التي يستقبلها ميناء الحديدة، والتي كانت مستمرة حتى قبل الهدنة.
لكن قرار اعتماد الحوثيين كجماعة إرهابية يجعل من كل تلك التنازلات الإنسانية التي قدمتها الحكومة من أجل استقرار الوضع المعيشي والإنساني لليمنيين في مناطق الحوثي شيء من الماضي، وقد يحول هذا التصنيف دون استمرارها.
وربما هذه الاعتبارات الإنسانية تجاه وضع المواطنين الخاضعين لسيطرة المليشيات هي من فرضت على الحكومة اليمنية تأخير اتخاذ قرار تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، حفاظا على تدفق المساعدات للفئات الأشد فقرا هناك.
ورغم أن الحوثيين كانوا يصادرون أغلب تلك المعونات لصالح قياداتهم أو تحويلها للمجهودات الحربية، إلى أن الحكومة واصلت التزاماتها وتنازلاتها، فيما اعتبرت المليشيات ذلك الحرص ضعفا من قبل الحكومة، وليس التزاما أخلاقيا وقانونيا كونها تمثل الدولة.
غير أن تبعات القرار لا تتعلق فقط بالوضع الإنساني، ولكنها تطال أيضا الكيانات والمنظمات الأممية والدولية التي تتعامل مع الحوثيين في كافة المجالات، حتى بما فيها هيئات الأمم المتحدة ومكوناتها المختلفة.
فالقرار شمل أيضا كل من يتعامل مع المليشيات حتى وإن كانوا أفرادا، وهو ما يجعل من الجوانب التنفيذية لتصنيف الحوثيين يحمل في طياته الكثير من المعوقات، التي قد تكون صعبة التجاوز والمعالجة، ولكنها ليست مستحيلة إذا كان المجلس الرئاسي اليمني جادا في تصنيف كهذا.
> ما جدوى التصنيف؟
ينتظر مراقبون أن تؤثر الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اليمنية بحق الحوثيين على موقف المجتمع الدولي من المليشيات، بعد أن تراخى العالم مع هذه الجماعة وتماهى مع انتهاكاتها ومطالبها الصبيانية.
ووفق سياسيين، تبدو خطوة الحكومة اليمنية بتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية خطوة أولى مشجعة نحو تصنيفهم دوليا كإرهابيين، أو على الأقل تقليص حجم التعامل الدولي معهم، الأمر الذي ربما أنه سيأتي بجدواه وثماره على وضع هذه الجماعة، وسيعزلها عن العالم.
وهذا التعاطي هو الذي يجب أن يقوم به العالم بمنظماته ومؤسساته تجاه هذه المليشيات، لفرض خيار السلام على الحوثيين الرافضين له، والمتماهين مع أجندات إيران ومصالحها في المنطقة.
لكن الأهم برأي يمنيين ومتابعين دوليين، هو أن هذه الإجراءات الحكومية تؤدي إلى تحريك حقيقي لجبهات القتال ضد الحوثيين وتغيير الوضع الحالي لملف الحرب في اليمن، وإلا فلن يكون لها أي جدوى تذكر.
ولهذا يجب أن تتحول تلك الإجراءات والقرارات الحكومية إلى خطوات إيجابية تجعل من تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية سببا في تحويل دفة الحرب، وجعل الخيار العسكري لمواجهة هذه المليشيات الانقلابية هو السبيل الوحيد لإنهاء عبثها بالبلاد.
المصدر : عدن الغد