أثارت التطورات الأخيرة بعلاقات واشنطن والرياض جدلا في طبيعة النتائج والأبعاد، خاصة مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن أن بلاده “ستراجع” علاقاتها بالسعودية، فهل هناك تحول فعلا؟
محللان سياسيان تحدثا لـ RT عن دلالات تصريح بايدن حول مصير العلاقات السعودية الأمريكية، التي كان الأبرز فيها قرار “أوبك+” خفض الإنتاج، وهو ما دفع واشنطن لتوجيه انتقادات للرياض التي عادت لتصوّت على قرار يصب في المصلحة الأمريكية.
الكاتب والباحث في الدبلوماسية العامة والإعلام السياسي، عماد المديفر، قال إن التصريحات والرسائل التي تصل من واشنطن، ما زالت متضاربة، ومتناقضة، ومزدوجة، خاصة تجاه حلفائها التقليديين، (دول الاعتدال في المنطقة)، وتجاه ما يهدد أمن واستقرار المنطقة كذلك.
وأضاف أن من ذلك موقفها “الرخو” مما وصفه بالنظام الراديكالي المتطرف في إيران، ومشروعه النووي ومشروعه للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الانتحارية.
وقال المديفر إنه وباستثناء فترة حكم الرئيس السابق ترامب، فإن تلك الصفة كانت ملازمة للإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ الولاية الأولى للرئيس الأسبق باراك أوباما، وحتى رئاسة بايدن، وهو ما جعل حلفاء واشنطن “التقليديين والكبار في المنطقة ينظرون إلى سياساتها في المنطقة والإقليم، نظرة متشككة تجاه مدى الالتزام الأمريكي نحو احترام مصالحهم العليا والحيوية”.
رغم ذلك، حسب المديفر، ما زال السعوديون ينظرون إلى العلاقة مع الولايات المتحدة بأنها “مهمة واستراتيجية” تقوم على شراكة تمتد لأكثر من 80 عاما، وعلى أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
ويضيف المديفر أن “من المفارقات التي قد تكشف ربما مدى ما يصفه محللون بـ “التناقض” وربما “الانفصال عن الواقع” في بعض التصريحات الصادرة من البيت الأبيض، أنه وفي الوقت الذي تصدر من الرئيس بايدن تلك التصريحات حول “أن الولايات المتحدة بصدد مراجعة العلاقات مع السعودية بعد قرار أوبك بلس” فإن كبار المسؤولين التنفيذيين في كبرى الشركات الأمريكية في “وول ستريت”، وكبار رجال الأعمال الأمريكيين، هم الوفد الأكبر على مستوى العالم الذي يحضر اليوم فعاليات مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار السنوية العالمية “دافوس الصحراء” في المملكة! والذين يصل عددهم لأكثر من 400 مندوب أمريكي.
وقبل ذلك كانت تصريحات لبايدن نفسه بأنه يريد أن يجعل من المملكة دولة منبوذة، في حين نرى أن أول زيارة على مستوى القيادة بين الدولتين، كانت زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للسعودية، لا العكس.
أمر إيجابي
ويقول المديفر أنه “ورغم تلك التصريحات الأمريكية التي يصفها المحللون بأنها غير متزنة، وربما وصفت بالمتخبطة والهجومية تجاه حليف تقليدي لمجرد إصدار “أوبك بلس” قرارا بالإجماع شاركت فيه جميع دول المنظومة بشكل ديمقراطي، وعلى أساس فني اقتصادي بحت، بيد أن سياسات المملكة كانت دوما تصب في إيجاد الاستقرار في أسواق النفط، وبقيت على مدى عقود تسعى لتلبية احتياجات الأسواق العالمية للطاقة، وتعمل جاهدة على تعزيز أمن الطاقة.
ويشير المديفر إلى ما يقوله محللون سياسيون من أن تلك التصريحات، ربما كانت تعكس تخوف إدارة بايدن والديمقراطيين بشكل عام على تأثير ذلك على شعبية الرئيس الأمريكي وحكومته في الداخل الأمريكي، ومن خسارتهم في الانتخابات البرلمانية النصفية المزمعة منتصف الشهر الجاري، وهو ما ذهب إليه عدد من المحللين الأمريكيين الذين وجهوا انتقادات لإدارة بايدن في هذا الجانب، بل وطالبوا بالتحقيق معها بداعي أنها طلبت من دولة أجنبية اتخاذ قرار قد يؤثر على نتائج تلك الانتخابات، وهو بالطبع ما لم تستجب له المملكة.
ويقول المديفر إن سبب ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم يعود إلى النقص في إنتاج المصافي الأميركية التي ضيقت عليها إدارة بايدن بداية فترة رئاسته بداعي “المناخ”، وليست السعودية ولا حتى مجموعة “أوبك بلس” الملتزمة بضمان الاستقرار في أسواق النفط، والتي تتصرف بطريقة استباقية لضمان عدم حدوث انهيار في أسواق الطاقة.
وعن موقف السعودية من تلك التصريحات، يقول المديفر “إننا ننظر إليها في المملكة كأمر إيجابي، إذ أن العلاقات بين البلدين أكبر من مجرد صفقة سلاح أو صفقة نفط، وهو ما ذكرته سفيرة المملكة لدى واشنطن التي قالت إن المملكة ترحب بمراجعة العلاقات الأميركية – السعودية، وأن الخلاف اقتصادي وليس سياسيا كما يحاول بعض الديمقراطيين تسييسه، إذ ينبغي أن يبقى هذا الخلاف في وجهات النظر ضمن الإطار الاقتصادي وأن تتفهم الإدارة الأمريكية وتحترم مصالح حلفائها تماما كما كان التحالف الذي أرسى ركائزه الأباء المؤسسون”.
وعن قرار “أوبك+” يقول إنه جاء بناء على خبرة تتجاوز خمسين عاما من تحديد التوجهات، وإن السعوديين لا يتدخلون في سياسات الآخرين “وإنما يشاركون ببساطة كعنصر لتحقيق استقرار الاقتصاد وأسواق الطاقة كما كنا نفعل تاريخيا، وهو ما أشار إليه بوضوح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس الماضي، حين قال إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والسعوديين يدعمون التوازن في أسواق النفط، وأمن الطاقة وإن الاستقرار مهم لأسواق الطاقة”.
ويختتم المديفر بالقول إن “الموقف الأمريكي المتناقض لم يكن موجها فقط لحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، بل للحلفاء الأوربيين الذين بدأوا أيضا بالتساؤل حياله، ومن ذلك موضوع أسعار الغاز التي فرضتها الولايات المتحدة على حلفائها الأوربيين بـ 4 أضعاف سعرها كما قال الرئيس الفرنسي”.
أوراق ضغط
مدير “مركز الكنانة للدراسات السياسية والاستراتيجية” هاني الجمل يقول إنه ورغم العلاقات الكلاسيكية بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الماضية والتي توطدت بسبب البترول وحرب الخليج، إلا أن إدارة ترامب استغلت حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ونحّت هذه العلاقات جانبا من أجل استغلال البترول السعودي وتوفيره في الأسواق للحفاظ على الاحتياطي الأمريكي”.
ويضيف: “لكن مع تولي بايدن منصب الرئاسة ومحاولة الضغط على الدول العربية في إتمام سلام غير مشروط مع إسرائيل خلال لقائه بالزعماء العرب كان الموقف العربي الرافض لهذه السياسة هو بداية لتصدع العلاقات السعودية الأمريكية، وقد زاد من هذا التصدع، حسب الجمل، قرار منظمة “أوبك+” بخفض الإنتاج، ومن ثم وضعت أمريكا في مأزق بسبب الأحداث الساخنة التي يشهدها العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية ولهذا دأبت الإدارة الأمريكية على استخدام أدوات الضغط على السعودية من أجل التراجع عن هذا القرار ملوحة باستخدام العديد من أوراق الضغط ومنها إعادة النظر في العلاقات مع السعودية فضلا عن فتح ملفات حقوق الإنسان في المملكة، إضافة إلى قضية الصحفي جمال خاشقجي”.
ويشير الجمل إلى “الدعم العربي والإسلامي لموقف السعودية في مواجهة الضغوط الأمريكية، وخاصة الموقف المصري وجامعة الدول العربية والتأكيد على سيادة المملكة في اتخاذ القرارات الخاصة بها، ويقول إن “محاولة الضغط الأمريكية يقابلها رفض عربي مدعوم بموقف دول كبرى مثل الصين وروسيا”.
تلك الأسباب جعلت السعودية “تمتلك أوراق ضغط مضادة، منها توافق الدول الأعضاء في منظمة “أوبك بلس” فضلا عن الموقف العربي والدولي الداعم لها إلى جانب الضغوط الداخلية التي تعاني منها إدارة بايدن، وعدم تحقيق نجاح ملحوظ في عدد من الملفات منها القضية الفلسطينية وحل الدولتين أو حماية دول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي خلال الفترة الراهنة”.