سؤال العنوان يبدو من القراءة الأولى أنه يستدعي نتيجة مقلقة في حال كانت الإجابة إيجابية، وهي كذلك؛ إذ ستنعكس السيطرة ضعفًا إضافيًا لمتن قرار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وفي المقابل سيتعزز دور المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) المدعوم إماراتيًاـ وبالتالي يمكن اعتبار سيطرته على حضرموت استتبابًا لوضعه بشكل شبه كلي في الجنوب اليمني؛ فحضرموت تمثل ثقلا ليس باعتبارها تضم حقولاً للنفط، وما يعنيه ذلك من عامل تمكين لـ”الانتقالي” بل إنها تمثل ثلثي جغرافيا الجنوب، علاوة على أنها مركز ثقافي له رؤيته السياسية المختلفة مع “الانتقالي” في العودة إلى ما قبل عام 1990 إذ ترفض مكونات حضرمية هذه الرؤية، وتتطلع إما لدولة مستقلة أو البقاء في دولة يمنية اتحادية كأقليم قائم بذاته.
في حال سيطر “الانتقالي” على حضرموت؛ ستتغير خريطة النفوذ (الانفصالي) ضدا لقرار اليمن الواحد الذي سيتراجع ممثلاً في الحكومة اليمنية؛ وبالتالي سيمضي الانتقالي في استكمال النفوذ فيما تبقى من الجنوب ممثلاً في محافظة المهرة، لكنه هنا سيواجه تحديًا جديدًا؛ ففي الوقت الذي تشكل حضرموت ظهيرًا للسعودية تعد المهرة ظهيرًا لعُمان؛ وهنا سيكون الإقليم بمصالحه أو صراعه هو الحاضر.
منذ كانون الأول/ديسمبر ازدادت حدة التوتر بين المنطقة العسكرية الأولى والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب بخروجها من المحافظة؛ ويهدد عسكريا بمواجهتها وإخراجها عنوة، تحت مبرر أن قواتها تنتمي لمحافظات شمالية؛ وهو الموقف الذي أعلنه صراحة محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي في حديث تلفزيوني مؤخرا وتبنى فيه مطالب الانتقالي. وحتى اليوم يشهد وادي حضرموت ما سماه تقرير صادر حديثًا عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية دورة أخرى من الاستقطاب السياسي والعسكري حول مصير المنطقة العسكرية الأولى التي تتخذ من مدنية سيئون مقرًا لها، منذرة بجولة جديدة من المعارك القتالية بين الأطراف اليمنية في المعسكر المناهض للحوثيين.
واعتبر التقرير أن “هذا الاستقطاب المتجدد حول وادي حضرموت يشكل امتدادا لانقسامات حادة كامنة منذ فترة بين الأطراف اليمنية لم تجد طريقا للتسوية خلال الحرب، بل على النقيض تغذت منها. يقع في صميمها الانقسام الشمالي-الجنوبي، ومطالبة جماعات جنوبية أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي، بفك الارتباط بين الشمال والجنوب واستعادة دولة اليمن الجنوبي على أساس حدود ما قبل 1990”.
بل يذهب إلى القول إن “التغييرات الكبرى التي شهدها اليمن العام الماضي أدت إلى صعود سياسي كبير للمجلس الانتقالي الجنوبي ومعظم الجماعات الأخرى المدعومة من الإمارات في المناطق الخاضعة اسميًا لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا”.
وأشار إلى أنه “في كانون الثاني/يناير 2022 نجحت ألوية العمالقة المدعومة إماراتيًا في طرد قوات الحوثيين من محافظة شبوة وأجزاء من جنوب مأرب، ومع طي صفحة عهد الرئيس عبدربه منصور هادي واستبداله بمجلس قيادة رئاسي مكوّن من ثمانية أعضاء في نيسان/ابريل، تنامى نفوذ القادة العسكريين المدعومين من الإمارات وأبرزهم رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي”.
ويتابع: “انفتحت شهية المجلس الانتقالي السياسية لإكمال مشروعه بالسيطرة على جميع المحافظات التي شكّلت دولة الجنوب سابقًا، وبعد سقوط شبوة في يده وطرد القوات الموالية لحزب الإصلاح في أيلول/سبتمبر، وجّه المجلس بوصلته السياسية نحو حضرموت”.
ووصف معد التقرير ماجد المذحجي ما اعتبره “الصدام المنتظر في سيئون أنه نزاع على آخر مواطن النفوذ الشمالية الصريحة في جغرافيا الجنوب اليمني، التي يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إخضاعها لسيطرته”.
وفيما يتعلق بقيادة المنطقة العسكرية الأولى فأشار إلى أنه “على الرغم من انتماء قائد المنطقة العسكرية الأولى اللواء الركن صالح محمد طيمس إلى محافظة أبين الجنوبية، كان يحيى محمد أبو عوجا (المنحدر من محافظة عمران) حتى فترة قريبة أركان حرب المنطقة وقائدها الفعلي، ويُعد الرمز الأبرز للسيطرة الشمالية التي يُندد بها من قِبل الأطراف الجنوبية والحضرمية. من هذا المنطلق، جاء قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في كانون الأول/ديسمبر باستبداله بشخصية عسكرية حضرمية، عامر بن حطيان من المنطقة العسكرية الثانية (ومقرها المكلا في ساحل حضرموت) كمحاولة للتخفيف من التوترات وامتصاص الضغوط المطالبة بإحداث تغييرات هيكلية في وادي حضرموت. لكن العليمي أبقى على منصب أبو عوجا كقائد للواء 135 مدرع القوي في إطار المنطقة العسكرية، وهي خطوة لم تجد ترحيبًا من المجلس الانتقالي المستاء من استمرار نفوذ أبو عوجا؛ خصوصًا أن بديله لا يُعد حليفًا وثيقًا. رغم ذلك، لم يتخذ المجلس الانتقالي موقفًا صريحًا ضده بسبب هويته الحضرمية، لكنه ما يزال يسعى إلى مزيد من التغييرات في وادي حضرموت”.
ويعتبر المذحجي “حضرموت الجائزة الكبرى للمجلس الانتقالي، وأي نجاح محتمل له في السيطرة على المحافظة الاستراتيجية الغنية بالنفط سيعني حسم معركة النفوذ الفعلية لصالحه وسيطرته على معظم المساحة غير الخاضعة لجماعة الحوثيين، وهو ما يعني فعليًا السيطرة تقريبًا على كامل جنوب اليمن السابق باستثناء محافظة المهرة الواقعة في أقصى الشرق. كما ستخضع موارد حضرموت من النفط والغاز لسيطرة الانتقالي الأمر الذي سيمنحه هيمنة على عملية صنع القرار داخل الحكومة”.
وتطرق التقرير إلى موقف السعودية التي تنظر إلى “الوضع في الوادي باعتباره مسألة أمن قومي لها”.
وذهب إلى القول إن “السعودية تعتمد في حماية نفوذها على قوات المنطقة العسكرية الأولى وعلاقتها الوطيدة بمشايخ القبائل الحضرمية البارزة وحزب الإصلاح” مشيرا إلى أن السعودية “تدرك أن أي تحول كبير في ديناميكيات الوضع في شرق اليمن سيثير أيضًا مخاوف جدية لدى العُمانيين، وقد يدفع هذا مسقط للتصعيد استباقًا في المهرة (حيث تحظى بحلفاء محليين) في ظل شواغلها على أمنها القومي”. وقال إن السعودية تحرص “على الاحتفاظ بعلاقات بناءة مع عُمان نظرًا للدور الدبلوماسي النشط الذي تلعبه الأخيرة في المفاوضات الجارية بين الرياض وجماعة الحوثيين”.