عادل عبدالمغني
“النداء” تكشف النقاب عن أسطورة «رجل الكهف» في سقطرى
الكهف الذي يعيش فيه علاوي (شون نيلسون)
في أعالي جبال جزيرة سقطرى الوعرة، حيث تختلط الأساطير بالواقع، برز اسم عبدالله علاوي المعروف بـ”رجل الكهف”. لكن خلف هذا اللقب الذي أثار فضول الكثيرين، تكمن قصة مختلفة عما يتم تداوله في وسائل الإعلام. هل هو حقًا رجل الكهف الأول؟ وهل عاش حياته في عزلة كما يُشاع؟
هذا التقرير يكشف حقائق مختلفة عن الادعاءات التي جعلت من علاوي شخصية أسطورية ومزارًا للسياح المحليين والأجانب. نحن هنا لسنا بصدد النيل من شخصية الرجل الذي حقق الكثير من الشهرة ويتمتع بروح ودودة أكسبته حب كل من زاره أو التقى به. لقد نال احترام الجميع، وهذا يدعونا للإعجاب بشخصيته. لكننا، وانطلاقًا من إيماننا بحق القراء في المعرفة، سنسلط الضوء على الحقائق التي تم تجاهلها أو تجريفها حول “رجل الكهف”.
وخلافًا للروايات التي تقول إن علاوي عاش حياته داخل كهف على ساحل طرطوح، تشير الحقائق إلى أن الرجل ترعرع في منزل والده لعقود طويلة، وتزوج وأنجب عددًا من أولاده داخل هذا المنزل ضمن
“النداء” تكشف النقاب عن أسطورة «رجل الكهف» في سقطرى
الكهف الذي يعيش فيه علاوي (شون نيلسون)
في أعالي جبال جزيرة سقطرى الوعرة، حيث تختلط الأساطير بالواقع، برز اسم عبدالله علاوي المعروف بـ”رجل الكهف”. لكن خلف هذا اللقب الذي أثار فضول الكثيرين، تكمن قصة مختلفة عما يتم تداوله في وسائل الإعلام. هل هو حقًا رجل الكهف الأول؟ وهل عاش حياته في عزلة كما يُشاع؟
هذا التقرير يكشف حقائق مختلفة عن الادعاءات التي جعلت من علاوي شخصية أسطورية ومزارًا للسياح المحليين والأجانب. نحن هنا لسنا بصدد النيل من شخصية الرجل الذي حقق الكثير من الشهرة ويتمتع بروح ودودة أكسبته حب كل من زاره أو التقى به. لقد نال احترام الجميع، وهذا يدعونا للإعجاب بشخصيته. لكننا، وانطلاقًا من إيماننا بحق القراء في المعرفة، سنسلط الضوء على الحقائق التي تم تجاهلها أو تجريفها حول “رجل الكهف”.
يستند علاوي في كونه رجل الكهف الأسطوري إلى العديد من التناولات الإعلامية، أبرزها تلك التي تنسب له صورة غلاف لمجلة العربي الكويتية نشرتها ضمن ملف عن سقطرى في عددها رقم (153) الصادر في أغسطس 1971م. تم اعتماد الرواية المنقولة من قبل وسائل إعلامية عديدة وصفحات تواصل اجتماعي، لكن عند العودة إلى عدد المجلة تبين أن صورة الغلاف لم تكن لعلاوي بل لشخص يدعى محمد الدعري. نشرت المجلة صورته في سياق تناولها لحياة البادية في الجزيرة النائية القابعة في قلب المحيط الهندي.
ولد عبدالله السالم علاوي عام 1961م في مدينة قلنسية على الشريط الساحلي الغربي لجزيرة سقطرى، وهي ثاني أكبر تجمع حضري في الجزيرة بعد العاصمة حديبو.
وخلافًا للروايات التي تقول إن علاوي عاش حياته داخل كهف على ساحل طرطوح، تشير الحقائق إلى أن الرجل ترعرع في منزل والده لعقود طويلة، وتزوج وأنجب عددًا من أولاده داخل هذا المنزل ضمن أسرة كبيرة. أنجب علاوي 15 من الأبناء، مات 9 منهم وبقي 6 أكبرهم بعمر 34 عامًا.
عبدالله علاوي (النداء)عبدالله علاوي (النداء)
سالم قبلان السقطري، من سكان قلنسية، قال لـ”النداء” إن علاوي لم يعش في الكهف: “كان راعيًا للأغنام ومن ثم صيادًا، أعرفه منذ عقود، وعلاقته بالكهف بدأت في السنوات الأخيرة فقط”. وأوضح سالم أن حياة علاوي تغيرت بعد أن ابتسم له الحظ حين عثر على عنبر داخل حوت نافق، باعه بملايين الريالات.
في العام 2004م، حصل عبدالله علاوي على كنز حقيقي في الوقت الذي كان يعاني فيه من فقر مدقع. يُعد العنبر المستخرج من الحوت العملاق من أغلى المواد الطبيعية في العالم، ويصل سعر الكيلو جرام منه إلى نحو 40 ألف دولار، ويُعرف باسم “الذهب العائم” ويُستخدم في صناعات متعددة أبرزها العطور. يقول علاوي إنه حصل حينها على نحو 50 كيلو جرام من العنبر لكنه باعه بثمن أقل من سعره الحقيقي: “بعته بـ14 مليون ريال يمني” (نحو 63 ألف دولار حينها).
وتأكيدًا لرواية سالم، يقول علاوي في حوار مرئي متداول، إنه استفاد من أموال العنبر في بناء منزل له ولأسرته ويضيف: “كنا في السابق نعيش في منزل والدي مع إخواني”. علاوي يقر أنه عاش حياته السابقة في المدينة، وهي رواية تتناقض مع أحاديث أدلى بها لبعض السياح بأنه ولد وعاش حياته في الكهف.
تواصلنا مع علاوي لتوضيح الأمر، فأكد لنا صحة الروايتين. وقال لـ”النداء”: “قبل نحو ستة عقود، كان معظم سكان سقطرى يعيشون في الكهوف والجبال، حيث لم تكن هناك أي مظاهر للحياة المدنية والعصرية داخل الجزيرة.
وأضاف: “نعم، وُلدت في الكهف، لكن بعد سنوات بدأت الجزيرة تعرف الحداثة وبيوت الطين. بنى والدي منزلاً في قلنسية التي تحولت إلى مدينة بدائية، وانتقلنا للعيش هناك. لكن قلبي كان معلقاً بحياة الكهف.. الهدوء والحياة الطبيعية ببدائيتها كانت تستهويني أكثر من حياة المدنية والحضر، فكنت أتردد على الكهف من وقت لآخر. والآن أعيش في الكهف طوال أيام الأسبوع، باستثناء يومي الخميس والجمعة اللذين أقضيهما مع أسرتي في منزلي بالمدينة.”
إعصار مكونو
في مايو 2018، تعرضت جزيرة سقطرى لإعصار مداري عنيف أطلق عليه اسم “مكونو”، مما تسبب في خسائر مادية وبشرية كبيرة وعزل مناطق الجزيرة عن بعضها. لجأ الأهالي إلى الكهوف والجبال مجداً، للاحتماء من فتك الإعصار، بينما أخذ عبدالله علاوي أسرته وأسر عدد من إخوته ومكثوا لأيام في الكهف الذي يتواجد فيه اليوم. كانت تلك أطول فترة يعيش فيها عبدالله في كهف ديطوح، وفقًا لتأكيد سكان الجزيرة.
عادت الأسر النازحة إلى منازلها بعد زوال خطر الإعصار، لكن عبدالله ظل يتردد على الكهف من وقت لآخر خلال ساعات النهار بحثًا عن عنبر آخر، ويعود ليلاً إلى منزله. حتى هذا العام (2018)، لم يكن السياح الأجانب يعلمون شيئًا عن رجل الكهف ولم تكن برامجهم السياحية تتضمن شيئًا من هذا القبيل.
يستند علاوي في كونه رجل الكهف الأسطوري إلى العديد من التناولات الإعلامية، أبرزها تلك التي تنسب له صورة غلاف لمجلة العربي الكويتية نشرتها ضمن ملف عن سقطرى في عددها رقم (153) الصادر في أغسطس 1971م. تم اعتماد الرواية المنقولة من قبل وسائل إعلامية عديدة وصفحات تواصل اجتماعي، لكن عند العودة إلى عدد المجلة تبين أن صورة الغلاف لم تكن لعلاوي بل لشخص يدعى محمد الدعري. نشرت المجلة صورته في سياق تناولها لحياة البادية في الجزيرة النائية القابعة في قلب المحيط الهندي.
ولد عبدالله السالم علاوي عام 1961م في مدينة قلنسية على الشريط الساحلي الغربي لجزيرة سقطرى، وهي ثاني أكبر تجمع حضري في الجزيرة بعد العاصمة حديبو.
وخلافًا للروايات التي تقول إن علاوي عاش حياته داخل كهف على ساحل طرطوح، تشير الحقائق إلى أن الرجل ترعرع في منزل والده لعقود طويلة، وتزوج وأنجب عددًا من أولاده داخل هذا المنزل ضمن أسرة كبيرة. أنجب علاوي 15 من الأبناء، مات 9 منهم وبقي 6 أكبرهم بعمر 34 عامًا.
عبدالله علاوي (النداء)عبدالله علاوي (النداء)
سالم قبلان السقطري، من سكان قلنسية، قال لـ”النداء” إن علاوي لم يعش في الكهف: “كان راعيًا للأغنام ومن ثم صيادًا، أعرفه منذ عقود، وعلاقته بالكهف بدأت في السنوات الأخيرة فقط”. وأوضح سالم أن حياة علاوي تغيرت بعد أن ابتسم له الحظ حين عثر على عنبر داخل حوت نافق، باعه بملايين الريالات.
في العام 2004م، حصل عبدالله علاوي على كنز حقيقي في الوقت الذي كان يعاني فيه من فقر مدقع. يُعد العنبر المستخرج من الحوت العملاق من أغلى المواد الطبيعية في العالم، ويصل سعر الكيلو جرام منه إلى نحو 40 ألف دولار، ويُعرف باسم “الذهب العائم” ويُستخدم في صناعات متعددة أبرزها العطور. يقول علاوي إنه حصل حينها على نحو 50 كيلو جرام من العنبر لكنه باعه بثمن أقل من سعره الحقيقي: “بعته بـ14 مليون ريال يمني” (نحو 63 ألف دولار حينها).
وتأكيدًا لرواية سالم، يقول علاوي في حوار مرئي متداول، إنه استفاد من أموال العنبر في بناء منزل له ولأسرته ويضيف: “كنا في السابق نعيش في منزل والدي مع إخواني”. علاوي يقر أنه عاش حياته السابقة في المدينة، وهي رواية تتناقض مع أحاديث أدلى بها لبعض السياح بأنه ولد وعاش حياته في الكهف.
علاوي: بنيت منزلاً من أموال العنبر
▶
تواصلنا مع علاوي لتوضيح الأمر، فأكد لنا صحة الروايتين. وقال لـ”النداء”: “قبل نحو ستة عقود، كان معظم سكان سقطرى يعيشون في الكهوف والجبال، حيث لم تكن هناك أي مظاهر للحياة المدنية والعصرية داخل الجزيرة.
وأضاف: “نعم، وُلدت في الكهف، لكن بعد سنوات بدأت الجزيرة تعرف الحداثة وبيوت الطين. بنى والدي منزلاً في قلنسية التي تحولت إلى مدينة بدائية، وانتقلنا للعيش هناك. لكن قلبي كان معلقاً بحياة الكهف.. الهدوء والحياة الطبيعية ببدائيتها كانت تستهويني أكثر من حياة المدنية والحضر، فكنت أتردد على الكهف من وقت لآخر. والآن أعيش في الكهف طوال أيام الأسبوع، باستثناء يومي الخميس والجمعة اللذين أقضيهما مع أسرتي في منزلي بالمدينة.”
إعصار مكونو
في مايو 2018، تعرضت جزيرة سقطرى لإعصار مداري عنيف أطلق عليه اسم “مكونو”، مما تسبب في خسائر مادية وبشرية كبيرة وعزل مناطق الجزيرة عن بعضها. لجأ الأهالي إلى الكهوف والجبال مجداً، للاحتماء من فتك الإعصار، بينما أخذ عبدالله علاوي أسرته وأسر عدد من إخوته ومكثوا لأيام في الكهف الذي يتواجد فيه اليوم. كانت تلك أطول فترة يعيش فيها عبدالله في كهف ديطوح، وفقًا لتأكيد سكان الجزيرة.
عادت الأسر النازحة إلى منازلها بعد زوال خطر الإعصار، لكن عبدالله ظل يتردد على الكهف من وقت لآخر خلال ساعات النهار بحثًا عن عنبر آخر، ويعود ليلاً إلى منزله. حتى هذا العام (2018)، لم يكن السياح الأجانب يعلمون شيئًا عن رجل الكهف ولم تكن برامجهم السياحية تتضمن شيئًا من هذا القبيل.
فكي الحوت العملاق بوابة الدخول للكهففكي الحوت العملاق بوابة الدخول للكهف
الحوت النافق الذي استخرج منه علاوي العنبر كان بالقرب من كهف ديطوح الذي يبعد عن قلنسية بنحو نصف ساعة مشيًا على الأقدام. قام عبدالله بتزيين مدخل الكهف بفكي الحوت العملاق، وصار هذان الفكان حتى اليوم بمثابة بوابة رسمية لدخول الكهف الأسطوري الذي تحول لاحقًا إلى مقصد للسياح لالتقاط الصور التذكارية رفقة “رجل الكهف” الذي ظهر فجأة وتحول خلال السنوات القليلة الماضية إلى أسطورة يتردد صداها على نطاق واسع محليًا ودوليًا.
صناعة الأسطورة
ينفي علي علوي، وهو صحفي عمل في جزيرة سقطرى منذ عام 1996، أن يكون عبدالله عاش في الكهف الذي يقيم فيه اليوم. ويقول لـ”النداء”: “لقد زرت كهف حوق وكهف ديطوح وكهوف أخرى، مرات عدة مع وفود محلية ودولية، إحداها عام 2000 مع الباحث البلجيكي بيتر ديجست الذي كان مهتمًا بكهوف سقطرى، لكننا لم نجد علاوي أو نسمع به”. وفي عام 2004، كان علي رفقة بعثة إعلامية لتوثيق كهوف سقطرى أتت من صنعاء: “زرت هذه الكهوف مرة أخرى مع شركة الخيول، وكان معنا حينها المخرج التلفزيوني فضل العلفي، والكاتب الدرامي محمد الحبيشي، ومختار القدسي الذي أصبح لاحقًا مديرًا لقناة السعيدة. ومن قبلهم كنت رفقة وفد إعلامي يضم محمد الردمي، ومحمد اللوزي، وحسن السراجي، وأمل حسين فايع. هؤلاء جميعًا زاروا كهوف سقطرى وأعدوا مواد إعلامية عنها. تستطيع أن تسألهم هل سمعوا عن رجل الكهف علاوي؟”. ثم يجيب: “لم نسمع عن ذلك مطلقًا. لم نسمع عن هذا الرجل الذي ذاع صيته الآن بصورة مفاجئة وبأثر رجعي يتنافى مع المنطق”.
عدنا مرة أخرى إلى عبدالله علاوي وطلبنا منه تفسيراً لما جاء على لسان الصحفي علوي والسقطري سالم وآخرين. رد علينا الرجل بتلقائية: “لم أكن معروفاً حينها”. وأضاف: “ربما كانوا يأتون في أوقات لم أكن متواجداً داخل الكهف، أو أنهم كانوا يروني لكن لم ألفت انتباههم. لم أكن مشهوراً.. اشتهرت مؤخراً”.
من أبرز صفات عبدالله علاوي الصدق. الرجل قد يتغاضى عن المغالطات التي تشاع حوله وتنسب إليه بعض الأساطير، لكنه حين يُسأل لا يقول شيئاً سوى الحقيقة. في حديثه، تلمس صدقاً لا يخالطه شك، وتلقائية تجعلك تشعر بأنك تتحدث مع شخص يعرف تماماً ما يقول. نعم، عبدالله كان يتردد على الكهف الذي يقيم فيه بالفعل، ومنذ سنوات تعامل مع كهفه كسكن ثانٍ له. كان كهفه الذي يأوي إليه من وقت لآخر.
لقد بدد علاوي الشكوك التي تنفي علاقته بالكهف بجملة واحدة: “لم أكن معروفاً من قبل”. وهنا نتساءل: من يقف وراء الحملة الدعائية التي صنعت أسطورة “رجل الكهف” في جزيرة سقطرى؟ وهل كان عبدالله علاوي نتاج صناعة شركات سياحية جعلت منه أحد عوامل الجذب السياحي في الجزيرة؟
تتميز سقطرى بتنوعها النباتي والحيواني الفريد، وبيئتها العذرية، وشواطئها المدهشة، ونمط حياتها البدائي الذي يبعث على الهدوء والسكينة. هذه العوامل تجعلها وجهة سياحية مميزة، لكن قصة “رجل الكهف” أضافت بُعدًا آخر لجاذبيتها، مما يثير التساؤلات حول دور الشركات السياحية في ترويج هذه الأسطورة.
خلال عملية بحث وتقصي، وجدت “النداء” أن من أبرز التناولات الإعلامية الأولى لعبدالله علاوي بصفته “رجل الكهف” كانت منتصف عام 2019، حين التقاه مصادفة سائح بريطاني اسمه شون نيلسون. في مقال كتبه بتاريخ 18 يونيو 2019، قال شون إنه التقى عبدالله أثناء عودته إلى حيث كان يقيم على شاطئ قلنسية: “صادفت رجلاً يسير على نفس الطريق الصخري، كنت سأتجاهله لكن بالنظر إلى مدى الود الذي أظهره لي، قلت له مرحبًا، فرد علي بطريقة حماسية للغاية… أنا عبدالله أسير إلى كهف هناك”. بدأ شون يضع تصورًا في مخيلته عما سمع: “من الطريف أن يُطلق على عبدالله اسم رجل الكهف”، قال شون، ثم تساءل: “هل هؤلاء الناس موجودون فعلاً في هذا الزمن؟” وسرعان ما أجاب على نفسه: “حسنًا، إلى حد ما، هم موجودون بالفعل!”. رأى شون في يد عبدالله هاتفًا ذكيًا، لكنه تجاهل ذلك مرددًا: “قد يكون رجلاً من عصر الكهوف، لكنه رجل عصري”.