*غزّة ( تربةُ الزيتون غالية )*
كتبه فاروق مريش .
غ: غالية
ز : زيتون
ت : تربة
تربة الزيتون غالية ، وصف للمدينة التي سماها العرب حمراء اليمن ، وغزة هاشم ، وسماها الكنعانيون منذ فجر ولادتها بأنها أرض القوة ، بينما أطلق عليها المصريون الفراعنة غزاتو بمعنى المدينة المميزة ، وفضَّل الفرس واليونان أن يصفوها بأنها أرض الكنز أو الثروة …
وسواء ذلك الاسم أم تلك الصفة ، فإننا أمام مدينة عجائبية بكل محتواها وفحواها منذ أن وقعت أول قدم معينية وقتبانية على تربتها وهم يحملون بخورهم ولبانهم ليعطروا أرضها ويتربحون من الوافدين إليها .
غزة هي الصخرة التي تحطمت عليها أساطيل الرومان قديماً ، كما تهشمت فيها أساطير الطغيان حديثاً .
لم يكن نتنياهو قد قرأ تاريخها النضالي الطويل ، ولم يدرك سماكة جلدها الممتد لأكثر من 5 آلاف عام ، حين قال :
سنسوي قطاع غزة بالأرض ولن يكون فيها حماس بعد هذه الحرب ، وقبل أيام شاهده وسمعه الجميع وهو يهمس لأهالي الأسرى : ننتظر موافقة حماس .
كدتُّ أن أنفطر ضاحكاً وأنا ألاحظ كل تلك الغطرسة تصغر في بؤبؤ عينيه وهو يتوسل لحماس أن توافق على بنود الاتفاق ، وتخرجه بماء وجهه أمام صهاينة الاغتصاب لتربة الزيتون الغالية .
لم يفهم نتنياهو أن غزة هي المصباح في الزجاجة المضيئة كأنها كوكبٌ دري يوقد من شجرةٍ مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ..
يوآف غالانت وزير الدفاع السابق يقدم استقالته من الكنيست بعد شهرين من إقالته من منصب وزير الدفاع ويصف الحرب على غزة وأهلها أنها حرب صعبة وطويلة ، وكأنه يقول أنها حربٌ مُحبطة .
قال عميت هاليفي، عضو لجنة الخارجية والأمن بالكنيست الإسرائيلي، إن جيشهم لم يهزم كتيبة واحدة، ولا حتى سريّة واحدة (من “حماس” والفصائل الفلسطينية) في رفح.
رئيس أركان جيش الكيان الإسرائيلي هيلفي هارتسي يقدم استقالته أيضاً ويعلن مسؤوليته عن الفشل والعجز التام الذي حصل في مواجهة العدو ، وقد اعتُبر هذا التصريح عند بعض المحللين السياسيين بمثابة إعلان صارخ عن فوز حماس وهزيمة الكيان الإسرائيلي سياسياً واستخباراتياً وعسكرياً بالإضافة إلى الخسائر المادية الكبيرة التي تكبدتها ميزانية هذا الكيان المغتصب . بالإضافة للعديد من الاستقالات التي تبعتها من بعض قادة هذا الجيش الوحشي ، وأبرزهم قائد المنطقة الجنوبية .
إذاً نحن أمام أعجوبة تاريخية لم يشهد لها التاريخُ مثيلاً ، تربة الزيتون الغالية التي لا تتجاوز مساحتها 360 كم مربع ، ترفع راية النصر بعد حصار متوحش وضاري من دول العالم كله استمر أكثر من 15 شهراً ، ولم يتفهم أحد حتى اللحظة عن سر هذا النَّصر المؤيد بتلاحم الإرادة السياسية والعسكرية والشعبية في هذه البقعة الصغيرة ؟ أيحدث مثل هذا حين يكون القادة في أوائل صفوف المواجهة ؟ أم أنها أثر التربية الطويلة التي غرست ملامح الوعي في نفوس النشء منذ مراحل مبكرة ؟
ونخلصُ من كل هذه المعتركات التي قدحتها شرارة غزة ، أن نبتة الزيتون الصغيرة المباركة قد اتسع ظلالها وأثمرت زيتوناً بنكهة الباروت واعتصرت زيتاً بسعر وتأثير النفط ؛ لكي يعود أثره على مستوى الصعيد العسكري والاقتصادي للغزيين ، وهنا يجدر الإشارة أن ثمرة الزيتون المباركة في الشمال ، وثمرة البن الشهيرة في الجنوب قد حاكا معاً راية النصر ، ومشروع الصمود الأسطوري حين غيرت قهوة البن اليمنية مذاق ولون البحر الأحمر وجعلته يبدو أكثر احمراراً من ذي قبل ، وهذا بشهادة المتحدث الرسمي لكتائب القسم أبو عبيدة عندما تقدم بالتحية وعظيم الشكر لإخوان الصدق في اليمن ووصفهم أنهم توأم الشام بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
تربة الزيتون الغالية هي غزة التي أضاءت المشرق والمغرب ، ولفتت انتباه العالم الغربي تحديداً إلى هذا الدين وقرآنه الكريم ، الذي يجعل الناس يركضون باتجاه الصواريخ التي قصفت أحياءهم وسوتها بالقاع وهم يتسابقون نحو الأنقاض لإنقاذ من تحتها ، ولا يتسابقون نحو الملاجئ ويموتون دهساً كما يفعل شعب التوراة المحرفة .
غزة ستجعل القوى العالمية تعيد حساباتها من جديد وتفكر بإعادة تموقعها في خارطة العالم ، وهي البؤرة الإنفجارية التي ستعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط كلها ، ثائرةً لنفسها من أقرب الجيران وأكبر الأصدقاء والأشقاء الذين استنجدت بهم ، فخذلوها .