عائشة الوراق
مقدمة
لم تعانِ فئة مجتمعية يمنية من آثار الحرب الحالية مثل المهمشين، وهم أدنى طبقة اجتماعية يمنية من حيث المكانة، وقد واجهت قرونا من التمييز والاستغلال والفقر. ويشار إلى المهمشين في اليمن باسم (الأخدام) كتمييز سلبي. لا توجد إحصائيات رسمية عن حجم هذه الفئة، لكن الأمم المتحدة أفادت أن هناك حوالي 3.5 مليون مهمش في اليمن.[1]
تاريخيا ومنذ ما قبل الصراع الجاري، حدّ التمييز الاجتماعي ضد المهمشين من وصولهم إلى التعليم والرعاية الصحية والإسكان والعمل المجدي. تعرض ورقة السياسات هذه كيف فاقمت الحرب الراهنة مشاكل هذه الفئة ورسخت فقرها الشديد، وكيف أدى التمييز ضد المهمشين إلى تقييد وصولهم إلى المساعدات الإنسانية وصعّب على أولئك الذين نزحوا بسبب القتال عملية الحصول على ملاذ آمن.
خلال أشهر أجرت المؤلفة مقابلات عدة مع مهمشين من جميع أنحاء اليمن حول تأثير الصراع عليهم. تعرض الورقة نتائج تلك المقابلات، بالإضافة إلى توصيات لمواجهة التحديات متعددة الأوجه التي تواجهها هذه الفئة.
الأصول الغامضة جوهرالتهميش المجتمعي
لا يُتفق على أصول المهمشين في اليمن، إذ يوجد اعتقاد شائع بأن المهمشين هم من نسل جنود الحبشة الذين احتلوا اليمن في القرن السادس،[2] ويعزو اعتقاد آخر أصولهم إلى السهل الساحلي على البحر الأحمر في اليمن،[3] في حين أن السيد نعمان الحذيفي، رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين، الذي يقول أنه عمل على تتبع جذور المجتمع يعيد أصولهم إلى النجاحيين الذين تواجدوا في المنطقة الغربية من اليمن منذ القرن الحادي عشر ـــ وهذا يتسق مع رواية الأصول الحبشية لهم، كون النجاحيين قدموا كمقاتلين من الحبشة ـــ ووفقاً للحذيفي، فإن تهميش المجموعة يعود إلى ما بعد الإطاحة بدولة النجاحيين في القرن الثاني عشر.
في مجتمع تعتمد بنيته الاجتماعية جزئياً على النسب، تؤدي الأصول الغامضة للمهمشين وكونها من خارج الهياكل القبلية اليمنية المعروفة إلى تمييز قائم على النسب. في حين أن الهاشميين الذين يقال أنهم من سلالة النبي محمد هم على رأس التسلسل الهرمي الاجتماعي في اليمن في العديد من مناطق البلاد، فإن المهمشين – الذين يعاملون باعتبارهم مجهولي الأصول – يقعون في أدنى درجات التسلسل الطبقي بغض النظر عن مكان إقامتهم،[4] ويتعاضد هذا التمييز أيضاً مع تمييز آخر عنصري عرقي، حيث أن معظم المهمشين هم من أصحاب البشرة السمراء.
الخطوط العامة للاستغلال والتمييز ضد المهمشين
يتجلى اليوم التمييز ضد مهمشي اليمن بطرق متعددة، حيث تتداخل عوامل من العنصرية العرقية والنظام الطبقي، وتقطن أقلية المهمشين بشكل أساسي ضمن عشوائيات على أطراف المدن، غالباً دون كهرباء أو ماء نظيف أو ملاجئ آمنة. ووفقاً لدراسة أجرتها اليونيسف، أدى انخفاض معدلات الالتحاق بالمدارس إلى نسبة إلمام بالقراءة والكتابة بمعدل 20٪ فقط بين البالغين منهم.[5] أما أطفال المهمشين فيواجهون عادة مضايقات وتنمر من قبل المعلمين والطلاب الآخرين في المدارس، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب، في حين أن بعض أولياء الأمور يسحبون أطفالهم من المدرسة للعمل.[6] ووفقاً لليونيسيف، فإن 9٪ فقط من المهمشين يسجلون أطفالهم عند الولادة، ما يجعل نقص شهادات الميلاد عقبة أمام الالتحاق بالمدارس.[7]
قال الحذيفي إنه تعرض لمضايقات أقل في المدرسة من غيره من أطفال المهمشين وذلك نسبياً بسبب مهاراته كلاعب كرة قدم ما جعله يحظى بمكانة في فريق المدرسة، ويعمل الحذيفي الآن في وزارة الأشغال العامة والطرق في تعز.
بشكل عام، يتم استبعاد المهمشين من وظائف القطاع العام، إلا في إدارات النفايات كعمال نظافة شوارع، حيث يعملون غالبا بنظام الأجور اليومية بدون عقود عمل. أما في الأعمال الخاصة فيتم عادة حصرهم في الأعمال ذات الأجور المتدنية والمنبوذة اجتماعياً، مثل تلميع الأحذية وغسيل السيارات وجمع المواد البلاستيكية والخردة.
توجد تجمعات كبيرة من المهمشين في محافظات الحديدة وتعز وإب ولحج والمحويت والمناطق الساحلية في حجة وحضرموت، ما يؤكد حضورهم في جميع المحافظات اليمنية، وذكر الحذيفي أن التمييز يعتبر أسوأ بشكل عام في المناطق الريفية، حيث غالباً ما يُمنع المهمشون من شراء الأراضي أو العقارات. ووسط نظام شبه إقطاعي، يضطر بعض المهمشين إلى العمل لصالح زعماء القبائل المحلية أو القرى، أو يزرعون الأراضي ويدفعون لملاكها من محاصيلهم.
لا يوجد قانون يمني محدد يميز ضد المهمشين، لكن التمييز الاجتماعي الممنهج يمنعهم من الوصول إلى سبل الانتصاف من الاستغلال، حيث أنهم يواجهون تعصباً ممنهجاً في النظام القضائي وداخل الحكومة المحلية والسلطات القبلية.[8]
المهمشون ومؤتمر الحوار الوطني
شارك كثير من مجتمع المهمشين في الانتفاضة اليمنية عام 2011، ورغم إجبار تلك الانتفاضة الرئيس علي عبد الله صالح في النهاية على التنحي، إلا أنها لم تفعل شيئاً يذكر للقضاء على التمييز ضد هذه الأقلية.
ذكر متظاهرون من المهمشين إنهم واجهوا العنصرية والتمييز داخل ساحة التغيير، وهي مكان التجمع الرئيسي للمشاركين في الانتفاضة بصنعاء،[9] وفي عام 2012، عُقد مؤتمر للمهمشين في صنعاء وهو الأول من نوعه على الإطلاق، لكن الحذيفي قال إن رؤية المهمشين لحل مشاكلهم تم تجاهلها لاحقا من قبل اللجنة الفنية لمؤتمر الحوار الوطني، الذي كان يهدف إلى قيادة الانتقال السياسي في اليمن بعد الثورة. أما الاتحاد الوطني للمهمشين الذي تأسس عام 2007 ويجمع 80 منظمة مجتمع مدني تعنى بالمهمشين، فقد نظم تجمعات في تعز وإب والبيضاء وعدن وأمام مقر إقامة الرئيس عبد ربه منصور هادي في صنعاء، مطالباً بمكان له في مؤتمر الحوار الوطني، بعد أن تم وعد المهمشين بالتمثيل العادل في اللجنة الفنية للمؤتمر، لكن في النهاية، لم يتحقق ذلك، حيث كان الحذيفي الممثل الوحيد للمهمشين في مؤتمر الحوار الذي ضم 565 عضواً.
على الرغم من ذلك، يقول الحذيفي إن قضية المهمشين أثارت الاهتمام والتعاطف في مؤتمر الحوار الوطني، حيث تضمنت مخرجات المؤتمر عدة توصيات لتعزيز وضع واندماج المهمشين في المجتمع اليمني،[10] وأوصى المؤتمر بضرورة سن التشريعات اللازمة لضمان الإدماج الكلي للمهمشين، وتمتعهم بجميع حقوقهم تبعاً للدستور اليمني، كما نادى المؤتمر بشكل محدد لتشريع يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية للمهمشين والفرص المتكافئة، ولتوفير دعم معنوي ومالي ولوجستي لتمكينهم من المشاركة في عملية التنمية. عنيت توصيات أخرى للمؤتمر بتطوير مشاركة المهمشين في الحياة العامة، مقترحة تخصيص حصة 10٪ (كوتا) لهم في وظائف القطاع العام ووصول متكافئ لمناصب القيادة وصناعة القرار.[11]
كانت الغاية من مخرجات المؤتمر هي تشكيل دستور اليمن الجديد. تم إعلان مسودة الدستور الجديدة في يناير/كانون الثاني 2015 التي تتضمن مواد تكرس الحد الأدنى لمشاركة المرأة والشباب، بنسبتي 30٪ 20٪ على التوالي، في حين أن أي نسبة لم يتم تكريسها للمهمشين،[12] فقد تضمنت مسودة الدستور مادة واحدة تدعو لإجراءات تشريعية وتنفيذية تهدف إلى “رفع أوضاع الفئات المستضعفة والمهمشة” لتعزيز مشاركتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولتعزيز اندماجهم في المجتمع. ويعزو الحذيفي فشل تضمين المهمشين ضمن مخرجات المؤتمر النهائية، وخاصة غياب الكوتا، إلى “معارضة من قبل جميع القوى الوطنية” ضد الحقوق القانونية المتفق عليها داخل المؤتمر.
آثار الحرب المفرطة على المهمشين
أدى احتدام النزاع المستمر منذ مارس/آذار ٢٠١٥ إلى زيادة الفقر والتشرد وانعدام الأمن الغذائي ضمن مجتمعات المهمشين، وعلى الرغم من أن الوكالات الإنسانية غالباً ما تعرض صور المهمشين في حملات جمع التبرعات والدعاية التي توثق الأزمة اليمنية، إلا أن المساعدات الإنسانية التي تصل لمجتمع المهمشين هي أقل اتساقاً بكثير من المجموعات الأخرى، وفي بعض المناطق تم إقصاء المهمشين من قوائم المساعدات.
أدى الانهيار الاقتصادي واسع النطاق وخسارة مصادر العيش الناجمين عن النزاع -بين جماعة الحوثيين المسلحة وداعمي الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً- إلى خلق منافسة على الوظائف ذات الأجور المتدنية والتي كانت في السابق مخصصة للمهمشين.
قبل النزاع، تشكلت من المهمشين طواقم عاملي الصندوق الحكومي للنظافة والتحسين، وهو الجهاز المسؤول عن إدارة النفايات. بطبيعة الحال، كان جامعو القمامة من بين موظفي القطاع العام الذين فقدوا دخلهم بسبب النزاع، إلا أن وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة الأخرى تدخلت لتمويل الصندوق، وخلق فرص كسب الرزق، لكن بعض المهمشين أخبر مركز صنعاء أنهم لم يستفيدوا من هذه الوظائف، التي حصل عليها النازحون وغيرهم من المحتاجين الجدد من خارج مجتمع المهمشين.
كان المهمشون عادة من بين أوائل المرحلين ضمن الصراع الحالي، مع اقتران النزوح بالتمييز، وتم تهجير مجموعات كبيرة من المهمشين بسبب الصراع في عدن، وتعز، والحديدة، لكنهم عانوا في الوصول إلى مخيمات النازحين داخلياً أو إلى الملاجئ في المؤسسات العامة مثل المدارس، وذلك بسبب العنصرية من قبل النازحين الآخرين،[13] وبسبب غياب الصلات القبلية، يفتقر المهمشون أيضاً إلى قرى أصيلة يفرون إليها.
بالمقابل، فإن عددا من المهمشين المهجرين الذين فروا من الخطوط الأمامية للنزاع كانوا مجبرين على سكن الأراضي الزراعية والحدائق والمساحات العامة، حيث يصعب الوصول إلى الخدمات العامة، كما تم إقصاؤهم من الجهود المبذولة لدعم النازحين داخلياَ القائم عليها المجتمعات المضيفة والسلطات المحلية، كما تم طردهم من الأراضي التي لجأوا إليها.[14]
على سبيل المثال، طلب مالكو أراضي زراعية من أسر مهمشين فروا من صعدة إلى عمران مغادرة أراضيهم،[15] إن تهجيرهم المستمر دفع بعض المهمشين إلى أطراف المدن وفي بعض الحالات إلى الخطوط الأمامية، ما يزيد من ضعفهم.[16]
انعكست كثير من مناحي النزاع الأخرى التي أثرت على اليمنيين داخل الدولة بشدة على المهمشين، وواجهت النساء والفتيات من المهمشين خطرا مستمرا من الاعتداءات على أساس النوع الاجتماعي أكثر من باقي النساء، حيث كانت نساء المهمشين أكثر تعرضاً للعنف الجنسي والتحرش من قبل المقاتلين، خاصة عند نقاط التفتيش.[17]
وفي حين كان وضع الرعاية الصحية في اليمن متردياً حتى قبل النزاع الحالي، زاد انهيار مؤسسات الدولة من صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية في أنحاء البلاد. وفي حال توافر الخدمات الصحية، يتم رفض معالجة المهمشين في أحيان بسبب التمييز، حيث أن المهمشين الذين واجهوا حالات الوفاة والإصابات بسبب الطرفين، الحوثيين والأطراف المناهضة لهم، تم رفض معالجتهم فور وصولهم إلى المرافق الصحية التي تمكنوا من الوصول إليها.[18]
مناطق مختلفة وقصص متشابهة: لمحات عن تجربة المهمشين في أنحاء اليمن
باجل، محافظة الحديدة
في منطقة باجل شمال شرق مدينة الحديدة، أخبر أحد عمال الإغاثة بمنظمة إنسانية دولية مركز صنعاء أنه نادراً ما كان المهمشون مدرجين ضمن قوائم المستفيدين، حيث يشرف هذا الشخص على مشروع المال مقابل العمل مع صندوق النظافة والتحسين الذي لا يشمل أي مستفيد من المهمشين، على الرغم من أن مجتمعهم عاطل عن العمل بشكل غير متكافئ ويفتقر إلى الوصول إلى الضروريات الأساسية في المنطقة، وأضاف أن افتقار المهمشين إلى السلطة الاجتماعية أو السياسية يعني أنهم يفتقرون إلى ممثلين للضغط على قادة المجتمع المحلي لإدماجهم.
في الوقت نفسه، قال أحد المشرفين على الصندوق في باجل إنه عوقب وكان على وشك أن يطرده مديره عندما ضم مهمشين إلى قائمة مستفيدين من مساعدات قدمتها منظمة دولية، مؤكدا أن مديره يتعرض لضغوط من قادة المجتمع ومسؤولي المديرية وسلطات الحوثيين المحلية، الذين يصرون على التمحيص في قائمة الأسماء المقترحة للمستفيدين.
وقال مهمش من حي الظلام في باجل عمل بشكل مؤمن مع الصندوق في باجل أنه حاول أن يدافع عن المزيد من الأشخاص من حيه، للحصول على عمل من خلال البرنامج، حيث يعيش في حي الظلام مهمشون، يقطن معظمهم في خيام دون صرف صحي أو ماء، وعندما طلب هذا العامل من أحد أعضاء اللجنة المحلية، الذي يحدد المستفيدين المحليين للمنظمات الإنسانية الدولية، ضم مهمشين من حي الظلام عاملين في مشروع التنظيف ومستفيدين من مشاريع المأوى والصرف الصحي، رفض عضو اللجنة وقال له “هؤلاء الناس هم مثل الأبقار”، وأضاف أنه في الوقت الذي يتلقى فيه بعض المهمشين بالمنطقة سلالا غذائية شهرية ومتقطعة، فإن المساعدات غير متناسقة وغالباً ما يتم تقاسم المهمشين الذين يحصلون على مساعدات حصصهم مع الأسر التي لم تتمكن من التسجيل.
أخبرت مدرسة في المحانية في منطقة باجل مركز صنعاء أن العديد من المهمشين قد فروا إلى المنطقة هرباً من الخطوط الأمامية، فانتقلوا إلى مجتمعات مهمشين متواجدة سابقاً، والتي كانت تفتقر إلى المرافق الصحية المناسبة، مما ساهم في زيادة انتشار حالات الكوليرا القاتلة.
مديرية قعطبة، محافظة الضالع
حسبما أخبر السكان المحليون مركز صنعاء، أنه في منطقة قعطبة شمالي غرب محافظة الضالع، والتي تعد حالياً موقعاً للاشتباكات العنيفة بين قوات من الحوثيين وأخرى مدعومة من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، تعيش أكثر من ألفي أسرة من المهمشين في ظروف محفوفة بالمخاطر تحت تهديد مستمر بالإخلاء من قبل ملاك الأراضي، وتعيش بعض العائلات في الملاجئ الحجرية المكونة من غرفة واحدة، بينما تعيش أسر أخرى في أكواخ من الصفيح دون حماية من أشعة الشمس في الصيف أو عزل من البرد في الشتاء، وقال المهمشون الذين يعيشون في قعطبة أنهم واجهوا عنصرية شديدة، حيث تم في مايو/ أيار 2017، طرد عشرات منهم بشكل قسري من قعطبة لأن رجلاً من قبيلة محلية كان يعتزم الزواج من امرأة من المهمشين بما ينتهك الأعراف الاجتماعية لقبيلته، ورداً على ذلك، قُتل الرجل على يد شقيقه وأحرق أفراد من قبيلته منازل 40 عائلة من المهمشين.
أخبر مهمش آخر من قعطبة مركز صنعاء أن المجتمع المحلي يستاء من توزيع المساعدات على المهمشين، وقال إن 283 أسرة فقط من المهمشين في قعطبة كانت تتلقى مساعدات إنسانية من برنامج الغذاء العالمي في أبريل/ نيسان، مشدداً على أن المجموعة لا تحتاج فقط إلى الغذاء، بل إلى الحماية من العنف وإلى المساعدة الصحية والتعليمية، والأهم من ذلك، توفير مأوى آمن، وأضاف “ليس لدينا حتى موطئ قدم لنستقر فيه، ونحن مهددون بالإخلاء بالقوة من قبل ملاك الأراضي في أي وقت”.
محافظة تعز
وقال عامل إغاثة محلي يدير توزيع المساعدات الغذائية في مديرية القاهرة لمركز صنعاء إن وضع المهمشين في تعز، التي تعتبر خط مواجهة نشط في الصراع، يختلف عن باقي المناطق، وقال إن المنظمات الدولية تضم المهمشين في قوائم المستفيدين في تعز، لكن هذا أثار بعض الاستياء، كما يشكو ممثلو اللجان المحلية والمنظمات المحلية من أن المهمشين هم المتلقون الأساسيون للمساعدة الإنسانية الدولية، في حين أن عامل الإغاثة قال: “لا أعرف ما إذا كان هذا هو الحال حقاً أم إن كان هذا من منظور عنصري”.
كما هو الحال في أجزاء أخرى من اليمن، فإن توزيع المساعدات غير منتظم ولا يمكن التنبؤ به في تعز، على حد قول أحد سكان منطقة العزاعز، كانت حوالي 300 أسرة من منازل المهمشين في المنطقة تتلقى مساعدات شهرية من منظمات مختلفة، ولكن في مايو/أيار 2019، لم تتلق 200 أسرة من هذه الأسر شيئاً لأن مشروع منظمة الإغاثة قد انتهى.
حي سعوان، مدينة صنعاء
في العاصمة اليمنية صنعاء، أخبر المهمشون في منطقة سعوان مركز صنعاء أن بعض الناس من المجتمع قد احتفظوا بوظائفهم كعمال نظافة في الشوارع، لكن الظروف أصبحت أكثر صعوبة خلال الحرب، فليس لديهم المعدات المناسبة لهذا العمل، لذلك فإنهم يجمعون القمامة بأيديهم دون قفازات، معرضين أنفسهم لمخاطر صحية، وقال أحد عمال نظافة الشوارع من المهمشين: “تتأثر صحتنا ونظافتنا الشخصية بذلك”، ويقدر المرتب الشهري لهذا العامل بـ 25 ألف ريال يمني (حوالي 45 دولار أمريكي)؛[19] حيث أنه لا يكفي لدفع مصاريف أسبوع واحد وسط انهيار العملة اليمنية بسبب الصراع وتضخم أسعار المواد الغذائية.
محافظة عدن
يعيش العديد من المهمشين في عدن في دار سعد، وهي منطقة تعاني من سوء الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر وشحة المياه، ورغم أن معظمهم من عمال النظافة في الشوارع، تعمل بعض النساء كخادمات في المنازل بينما يكسب الرجال أموالاً في أعمال متنوعة بدءاً من جمع قمامات البلاستيك، وبعضهم اضطر إلى القتال مع إحدى الميليشيات المحلية المختلفة.
يتلقى بعض المهمشين في عدن أيضاً مساعدات نقدية أو سلالا غذائية من برنامج الغذاء العالمي، وأخبرت ناشطة محلية مركز صنعاء أن دار سعد ليس لديها سوى طريق واحد لم يتم رصفه بالكامل؛ وأشارت إلى أن هذا كان غير اعتيادي بالنسبة إلى عدن، حيث يتم رصف معظم الطرق حتى في المناطق الفقيرة مثل حي البساتين، والتي يسكنها لاجئون صوماليون في الغالب.
التمييز ضد المهمشين عموماً في عدن أقل من أجزاء أخرى في شمال اليمن، لكنه لا يزال سائداً، ذكرت الناشطة المحلية أنها عملت على إنشاء أماكن صديقة للطفل في عدن وشارك أطفال المهمشين في هذه الأنشطة، ومع ذلك، قالت إن هذا تسبب في مشاكل مع الآباء الذين يرفضون السماح لأطفالهم باللعب مع أطفال المهمشين، وأوضحت أنه من الصعب إقناع هؤلاء الآباء بالسماح لأطفالهم بمعاملة أقرانهم المهمشين على قدم المساواة.
مدينة مأرب، محافظة مأرب
جذب المستوى المرتفع نسبياً من الأمن في مأرب مئات الآلاف من النازحين داخليا إلى المدينة منذ بدء الصراع. في عام 2017، أبرمت المحافظة صفقة مع الحكومة المعترف بها دولياً للحفاظ على ما يصل إلى 20٪ من إيرادات الموارد المستخرجة محلياً، وقد ساهم هذا في النمو الاقتصادي في اجتذاب النازحين ومن ضمنهم المهمشون.
أخبر سكان محليون مركز صنعاء أنهم لاحظوا عدداً متزايداً من نساء المهمشين يتسولن في المدينة، ويعمل المهمشون في مأرب غالبا في جمع القمامة والزراعة، ويعيشون في مجتمعات محلية مركزة في العديد من أحياء المدينة، وأفاد مهمشون نازحون أنهم تلقوا بعض المساعدات الإنسانية، بينما يقدم المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية مساعدات موجهة على نطاق واسع نحو المحتاجين، والتي يستفيد منها بعض المهمشين.
أدى النمو السكاني والاقتصادي السريع في مأرب إلى التوسع العمراني للمدينة؛ بالنسبة لبعض المهمشين، يعني هذا الأمر أن مساكنهم التي كانت في السابق في ضواحي المدينة أصبحت الآن في قلب المدينة، وقد أدى ذلك إلى تحسين وصولهم إلى الخدمات، بما في ذلك الكهرباء، وقد قاوم المهمشون محاولات السلطات المحلية لنقلهم من هذه المناطق، ورصفت السلطات المحلية طريق الأربعين في مدينة مأرب، لكنها أُجبرت على التوقف عند منطقة المهمشين في المنطقة، حيث رفض السكان المغادرة.
التطلع قدماً: توصيات لمعالجة التهميش الممنهج
التوصيات التالية لتحسين إدماج وتكامل المهمشين في اليمن هي نتيجة لنقاشات مع مجتمعات من المهمشين في جميع أنحاء البلاد.
يجب على السلطات اليمنية تبني نتائج مؤتمر الحوار الوطني المركزة على دمج وإدماج مجتمعات المهمشين.
من أهم هذه العناصر تحديد حصة لمشاركة المهمشين (كوتا) في جميع السلطات والهيئات الحكومية، ويمكن أن يكون التمثيل على مستويات صنع القرار خطوة أولى تحولية نحو المساواة وتحقيق الحقوق القانونية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية للمهمشين.
يمثل سن قوانين تجرم التمييز على أساس النسب أو العرق أولوية أيضاً في الدستور القادم.
يجب على الحكومة بعد انتهاء الصراع تنفيذ إستراتيجية وطنية شاملة لتحسين الوصول إلى التعليم والصحة والسكن والخدمات العامة لمجتمعات المهمشين، وينبغي أن توفر فرصاً للتدريب الفني والمهني لتحسين فرص العمل لهم.
يجب على الحكومة إدراج المهمشين ضمن المستفيدين من صندوق الرعاية الاجتماعية، وهذا من شأنه أن يسهم في تخفيف حدة الفقر المدقع في مجمع المهمشين.
يجب على الدول والمؤسسات المانحة والمنظمات الإنسانية أن تصر على إدراج المهمشين في البرامج التي تدعمها أو تنفذها في اليمن، ويجب عليهم أيضاً اتخاذ خطوات لضمان وصول برامج المساعدة الإنسانية والتنموية إلى مجتمعات المهمشين على سبيل المثال من خلال التعاون مع منظمات المجتمع المدني التي تمثل المهمشين.
مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجة هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.
الهوامش
[1] “Report of the Special Rapporteur on Minority Issues,” United Nations Human Rights Council Thirty-First Session, January 28, 2016. [2] Robert F. Worth, “Languishing at the Bottom of Yemen’s Ladder,” New York Times, February 27, 2008, https://www.nytimes.com/2008/02/27/world/middleeast/27yemen.html?partner=rssnyt&emc=rss&module=ArrowsNav&contentCollection=Middle%20East&action=keypress®ion=FixedLeft&pgtype=article. Accessed June 4, 2019. [3] Ibid [4] From Night to Darker Night: Addressing Discrimination and Inequality in Yemen.” Equal Rights Trust, June 2018. Accessed June 4, 2019. [5] UNICEF Situation Report – Muhammasheen mapping update,” UNICEF, January 2015, https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/UNICEF%20Yemen%20SitRep%20January%202015.pdf. Accessed June 4, 2019. [6] From Night to Darker Night: Addressing Discrimination and Inequality in Yemen.” Equal Rights Trust, June 2018, Accessed June 4, 2019. [7] “UNICEF Situation Report – Muhammasheen mapping update,” UNICEF, January 2015, [8] Rania El Rajji, “’Even war discriminates’: Yemen’s minorities, exiled at home,” Minority Rights Group International, January 2016, https://minorityrights.org/wp-content/uploads/2016/01/MRG_Brief_Yemen_Jan16.pdf. Accessed June 4, 2019. [9] Tom Finn, “In revolt, Yemeni “untouchables” hope for path out of misery,” March 7, 2012, Reuters, https://www.reuters.com/article/uk-yemen-akhdam/in-revolt-yemeni-untouchables-hope-for-path-out-of-misery-idUSLNE82602Q20120307. Accessed June 4, 2019. [10] “Outcomes Document,” National Dialogue Conference, assembled by the Political Settlements Research Programme (University of Edinburgh) from non-official translations fo Working Group Outcomes. [11] “Annual report of the UNHCHR and reports of the Office of the High Commissioner and the Secretary-General,” UN Human Rights Council 27th session, August 27, 2014, https://www.securitycouncilreport.org/atf/cf/%7B65BFCF9B-6D27-4E9C-8CD3-CF6E4FF96FF9%7D/Yemen%20A%20HRC%2027%2044.pdf. Accessed June 4, 2019. [12]“The 2015 Draft Yemeni Constitution,” January 15, 2015, Constitution Net, http://constitutionnet.org/sites/default/files/2017-07/2015%20-%20Draft%20constitution%20%28English%29.pdf. Accessed June 4, 2019. [13] “2019 Humanitarian Needs Overview – Yemen,” UN OCHA, December 2018,https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/2019_Yemen_HNO_FINAL.pdf. Accessed June 4, 2019. [14] Rania El Rajji, “’Even war discriminates’: Yemen’s minorities, exiled at home,” Minority Rights Group International, January 2016, https://minorityrights.org/wp-content/uploads/2016/01/MRG_Brief_Yemen_Jan16.pdf. Accessed June 4, 2019 [15] Ibid [16] Ibid [17] “From Night to Darker Night: Addressing Discrimination and Inequality in Yemen.” Equal Rights Trust, June 2018, https://www.equalrightstrust.org/ertdocumentbank/Yemen_EN_online%20version.pdf. Accessed June 4, 2019. [18] Ibid [19] Based on the exchange rate in Sana’a on May 20, 2019التهميش التاريخي والممنهج لمجتمع المهمشين في اليمن | مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية